مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: (قامات مصرية) عثمان باشا محرم – 11

كان للمهندس عثمان محرم أكبر الأثر فى تغيير نظريات الهندسة المرتبطة بالرى، وأنشأ العديد من الخزانات والسدود والقناطر والكبارى ، فى زمن كانت الزراعة هى عماد الإقتصاد المصرى لذلك أطلق عليه لقب ” شيخ المهندسين فى مصر والبلاد العربية ” ، كما يرجع إليه الفضل فى تأسيس جمعية المهندسين المصرية عام 1920م والتى كانت النواة الأولى لإنشاء نقابة المهندسين .
ولد المهندس عثمان باشا محرم بالقاهرة 1881م وفى 1902م حصل على دبلوم المهندسخانة وكان ثانى دفعته ،تدرج فى السلم الوظيفى بوزارة الأشغال فبدأ معاون تفتيش ثم مهندسا للرى بالأوقاف ، ثم عاد لوزارة الأشغال ليكون واحدا من ثلاثة فقط من المهندسيين المصريين الذين كانوا على قدم المساواة مع مساعدى مديرى الأعمال الإنجليز ،ثم تم ترقيته إلى مدير ومفتش رى وفى 1924م انتدب مديرا لمكتب وزير الأشغال وفى العام نفسه عين وكيلا للوزارة وبعدها بعدة أشهر عين وزيرا للأشغال لمدة ثمانية أيام فقط ثم استقال ، وبعد ذلك ظل عثمان باشا محرم وزيرا للأشغال فى 14 وزارة ، كما تولى رئاسة الوزارة بالنيابة فى وزارة النحاس باشا الأخيرة من 1950 -1952م .
لم يكن عثمان محرم مجرد وزيرا للأشغال فقط ، بل كان مؤسسة هندسية كبرى استطاع خلال وجودة على رأس وزارة الرى إنجاز العديد من المشروعات والأعمال التى تخدم المواطن المصرى البسيط بشكل خاص وتخدم مصر بصفة عامة ، منها على سبيل المثال لا الحصر قيامة بالتعلية الثانية لخزان أسوان والتى أسهمت فى زيادة الرقعة الزراعية منذ 1933م ، وكانت له رؤية خاصة فى إنشاء الخزانات وهى” أن تكون بقدر الإمكان داخل حدود بلادنا ،لمنع التحكم فى رقابنا وفى مصادر حياتنا ” فأنشأ خزان وادى الريان بالفيوم وخزان المروى كما أنشأ خزان تانا بالحبشة .
اهتم محرم بإنشاء القناطر فهى التى تتحكم فى مناسيب المياه وترفعها لتغذى الرياحات والترع الرئيسية وبالتالى تتوزع المياه على الأراضى للتوسع فى زراعتها ،ومن أهم القناطر التى أنشأها قناطر نجع حمادى وإسنا وأسيوط ومحمد على وفارسكور .كما أنشأ الكثير من الكبارى على المجارى المائية وعلى الترع والمصارف الفرعية .
يرجع إليه الفضل فى إدخال نظام الصرف المغطى ، فكان له برنامج واضح فى سياسة الصرف ، فهو أول من وضع أساسا جيدا لمحطات الصرف الكهربائى فأنشأ خمس محطات كهربائية للصرف فى الشرقية والدقهلية . ولأنه مؤسسة هندسية اهتم بتوليد الكهرباء فى مصر من مساقط بحر المنزلة بالفيوم ومساقط مياه أسوان لاستخراج الحديد والأسمنت بالإضافة إلى إنجازه العمل بمحطة كهرباء شمال القاهرة وتقويتها .
إلى جانب مشروعاته فى مجال الرى فقد أسهم فى تعمير مدينة القاهرة عام 1926م واعتمد توسيع شارعى الخليج المصرى والهرم بالإضافة إلى إخلاء الأراضى المحيطة بجامع أحمد بن طولون لإظهاره .
أما دورة فى إنشاء نقابة المهندسين فقد جاءت الفكرة عقب وفاة اثنين من المهندسين ،الأول كان مهندس رى فعندما توفى لم يكن فى بيته ثمن الكفن ، فلم يكن له معاش لأنه غير معين بالوزارة وكان له زوجة وسبعة أبناء ،فعندما علم عثمان محرم وكان وزيرا للأشغال أصدر منشورا بالاكتتاب فتم جمع 4500 جنية من المهندسين فتم شراء عقار لأسرته تعيش من عائده . وتكررت المأساة عند وفاة مهندس آخر وكان رصيده فى البنك 16 مليما !! فصرف عثمان محرم لأسرته مبلغا كافيا ، وكلف بعض المهندسين بوضع مشروع لإنشاء نقابة للمهندسين ، وتبنى حزب الوفد المشروع إلى أن تأسست النقابة عام 1943م وعقدت أول جمعية عمومية لها 1946م ، على الرغم من بلوغ عثمان محرم سن المعاش 1941م وكان مقيدا بالنقابة ، إلا انه لم يطلب معاشا من النقابة لا هو ولا أى من ذويه ، حتى لا يزاحم من يحتاجونه بالفعل .
.. لم يسلم عثمان باشا محرم من المثول أمام محكمة الغدر 1953م التى شكلت بعد ثورة 23 يوليو لسبب غير معلن ، يرجع لرفضه الشهادة ضد فؤاد باشا سراج الدين ، وسخريته من التهم المنسوبه له ، أما السبب المعلن فكان خاصا بمجارى سيدى بشر بالأسكندرية ، ولكن بعد تقديم شهادة إقرار الذمة المالية تمت تبرئته وزوجته ، لما كان معروفا عنه من نزاهة وجدية ووطنية .
وفى الإحتفال بيوم المهندس الذى أقيم بنقابة المهندسين عام 1979م قام الرئيس أنورالسادات بتكريمه وأسرته .

زر الذهاب إلى الأعلى