مختار محمود يكتب: إذاعة القرآن الكريم..وماذا بعد؟!
استبشر القوم –وأنا منهم- بما أقدم عليه رئيس الهيئة الوطنية للإعلام فور منحه مفاتيح ماسبيرو من تطهير أثير شبكة القرآن الكريم من الإعلانات وبرنامج الوزير المعزول. توهمنا يومئذ أن الرجل يمتلك خطة حقيقية للارتقاء بأول إذاعة دينية وُضِعت للناس، ولكن سرعان ما تبدد الحلم وغدا سرابًا.
تبين أن المسؤول “المُستجد” لم يكن يملك أية محددات للتطوير. الاجتماع الأول الذي عقده مع مسؤولي إذاعة القرآن الكريم كان يشي بذلك، وينبيء بأنه لم يكن مستعدًا لهذه المهمة الصعبة. العرب قديمًا قالوا: “من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب”، وهو ما بدا في تصريحات وقرارات متتالية للباحث والمُنظِّر السياسي المتقاعد؛ حيث جاء معظمها متخمًا بالعجائب!
لأنَّ رواد إذاعة القرآن الكريم من الغلابة والمحزونين، فإن أحدًا لم يتفاعل مع انزعاجهم من توجيهات المسؤول الأول في ماسبيرو فيما يتعلق بخريطة التلاوات المجودة، بل إن الأخير خلط الأوراق وتحداهم في بيان وضيع اللهجة، يعكس خبرته المعدومة في التعامل مع الرأي العام وعدم تقديره له. اللافت أنه عندما أراد نقل قراراته المتسرعة وغير المدروسة إلى قنوات النيل المتخصصة، وتغيير اسم بعضها، قامت الدنيا ولم تقعد، وتبين للقاصي والداني أنه ليس الرجل المناسب في المكان المناسب، ولو كره الكارهون!
ورغم أنه تحدَّى مستمعي إذاعة القرآن الكريم في المرة الأولى، وأصر على موقفه واستكبر استكبارًا، إلا إنه تراجع خطوتين إلى الوراء هذه المرة، وقال إنه لا يمانع من طرح التسمية الجديدة للحوار المجتمعي؛ ذلك أن أمواج الغضب كان عاتية، والعاصفة كانت عنيفة، والغاضبين كانوا من النخبة!
عَودٌ على بدء، وبعيدًا عن أي تدليس أو تنطع..فإنَّ إذاعة القرآن الكريم لم تشهد تدخلاً في شؤونها وصميم عملها كما حدث مؤخرًا. السيد المسؤول فرض سطوته وسلطانه على خريطتها بشكل غير مسبوق، واستغرق في التفاصيل، واعتبر نفسه رئيسًا للشبكة، وافتأت على صلاحيات مسؤوليها الأساسيين الذين التزموا الصمت بدورهم؛ خوفًا وطمعًا!
عُرفت إذاعة القرآن الكريم عبر مسيرتها بأنها أشبه ببستان عظيم، فيه فاكهة ونخل ورمان، قبل أن يأتي من يفرض على مستمعيها مزاجه الشخصي، ويحرمهم من قراء عظام. تجلى هذا في القائمة التي حددها والي ماسبيرو على هواه والتي كادت تخلو من قراء أجلاء مثل: الصيفي والبهتيمي والفشني؛ بغرض التمكين للطبلاوي!
لم يكن مستمعو الشبكة يُمنُّون النفس، بعد زوال الإعلانات وبرنامج الوزير المعزول، سوى باستخراج كنوز التلاوات المجودة والمصاحف المرتلة –إن وُجدت قبل أن نكتشف تسريبها للخارج- وحجب أصوات بعض القراء المعاصرين المشهور عنهم كثرة الخطأ والزلل، وإعادة تقييم واختبار القراء والمبتهلين الذين تسللوا إلى ماسبيرو عبر الأنفاق السفلية والأبواب الخلفية، والتمكين لرواد الابتهالات والتواشيح الدينية ومنحهم المساحات الزمنية الملائمة لهذا الفن البديع الذي يندثر، وإعادة النظر في الخريطة البرامجية، واستبعاد الضعيف والمكرر منها، وابتكار أفكار جديدة تناسب الظروف والمستجدات وتواكب دعوة تجديد الخطاب الديني، والارتقاء بمذيعيها، وإبعاد غير المناسب منهم، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث في القريب العاجل!