أنس الوجود رضوان تكتب: أم كلثوم تراثنا وهويتنا
تعتبر أغاني أم كلثوم جزءً من الذاكرة الثقافية للكثيرين، وارتبطت في أذهان الناس بمواقف وأوقات معينة يا لها من ذكريات جميلة تنبض بالحنين إلى الماضي، تلك الأيام كانت تحمل طابعاً خاصاً من التلاحم الأسري والبساطة كانت حفلات أم كلثوم حدثاً كبيراً يُعيد تشكيل حياة الناس كل أول خميس من الشهر، ويلتف الجميع حول الراديو أو التليفزيون في انتظار صوتها الذي يُسافر بهم إلى عالم من المشاعر والجمال.
وكان تقديم جلال معوض لحفلات ام كلثوم يعطى حضورا مميزا أضاف رهبة ووقار للحفلات. و يبدأ التقديم بصوته العذب بعبارات مثل: “أيها السيدات والسادة، يسعدنا أن ننقل لكم من دار الأوبرا حفلاً ساهراً لكوكب الشرق، سيدة الغناء العربي، أم كلثوم!”
صوته كان جزءً من طقوس الحفل، وكلماته كانت تمهيداً لرحلة الطرب التي ينتظرها الملايين. طريقته في الإلقاء كانت تجمع بين الفخامة والإحساس، مما جعل الجمهور يشعر بأهمية الحدث قبل حتى أن تبدأ الست في الغناء.
وكانت الشوارع تخلو من المارة من أجل سماع الست، وكأن الزمن يتوقف، والعائلات التي تجتمع حول مائدة العشاء و كوب الشاي في أجواء دافئة، كلها تعكس مدى تأثير الفن الحقيقي على حياة الناس. ربما كان للصوت الفريد لأم كلثوم وأغانيها الممتدة لساعات طويلة دور في رسم تفاصيل تلك اللحظات السعيدة، التي لا تُنسى.
أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة عظيمة، بل كانت أيضًا جسراً لنقل اللغة العربية الفصحى إلى العامة والبسطاء، بطريقة جعلتهم يتذوقون جمالها ويستوعبون معانيها بسهولة. كانت أغانيها، بكلماتها العميقة ولغتها الراقية، تُمثل درساً ثقافياً ولغوياً يُعيد إحياء الفصحى في حياة الناس اليومية.
شعراء قمم وضعوا كلمات أغانيها بروح من الجمال والعمق، وأدتها هي بصوتها وأدائها الذي يخاطب القلوب قبل العقول. وبهذا استطاعت أن تُعرّف الناس بكلمات مثل “الأطلال”، و”رباعيات الخيام”، و”نهج البردة”، واغانى عديدة تجعلهم يحفظونها عن ظهر قلب.
أغاني أم كلثوم ليست فقط موسيقى جميلة، لكنها أيضاً تراث أدبي ساهم في توعية الناس بجماليات اللغة العربية وشعرها، حتى من لم يكن مُتعلماً وجد نفسه يردد كلمات بليغة ومعبرة.
لا يزال تأثير أغاني أم كلثوم قائماً حتى اليوم، رغم مرور العقود على رحيلها. صوتها وكلمات أغانيها لا يزالان ينبضان بالحياة، ويستمع إليها مختلف الأجيال، حتى الشباب الذين لم يعاصروا زمنها
ألحان العباقرة جعلت موسيقاها خالدة.
وعمق الكلمات لا تزال تحمل معاني سامية وقيماً راقية، أغانيها تُلامس مشاعر الحب، الفراق، الوطن، والصبر، وهي مشاعر إنسانية خالدة عبر الزمن.
حتى اليوم، تجد أغانيها تُعاد توزيعها في الحفلات، وتُستخدم في الأفلام والمسلسلات، ويُعيد الفنانون تقديمها بصيغ مختلفة. كما أن التكنولوجيا ساعدت في إحياء تراثها، فمجرد البحث على الإنترنت تجد تسجيلات نادرة لحفلاتها، مما يُبقيها حاضرة في الذاكرة والوجدان.
الله يرحم سيدة الغناء العربى التى وقفت بجانب وطنها بكل ماتملك بصوتها الساحر وتجوالها فى انحاء مصر والعالم من اجل المجهود الحربى ليتنا نتعلم منها العطاء.
هذا هو تراثنا الغنائي الذي يجسد هويتنا، إنها أم كلثوم التي جمعت كل الفنون في صوت واحد من كلمات وألحان، وعازفين، وأداء، شكلا ومضمون، يجبرك أن تحترمه حتى لو كنت لا تتكلم لغته.