مقالات الرأى

دكتور عمادعبدالبديع يكتب : ( ظاهرة المنجمين على الفضائيات متى تنتهي ؟ )

في نهايه كل سجنه وبداية سنه جديده يهل علينا عبر القنوات الفضائيه العديد من المنجمين والعرافين الذين تنصب لهم الأسواق كسوق عكاظ عند العرب قديما، ليدلي كل منهم بدلوه ويعلمنا بما يخبره به الطالع وما تنبئه به النجوم، والذين يصبحون نجوم ومشاهير تفتح لهم معظم البرامج أبوابها وتخصص لهم جزءا غير قليل من فقراتها، لتنصت لهم الآذان بكل اهتمام وتطلع إليهم الأعين في انتظار توقعاتهم للعام الجديد. ويكون الشغل الشاغل لهذه القنوات في هذه الأيام – والأيام مواسم- هو استضافة الخبير الفلاني في الأبراج والدكتور العلاني في علم الفلك وتوجيه الأسئلة اليهم في كافه المجالات وكل القضايا والموضوعات …

يتصادف معي كل عام وأنا أشاهد برنامج الاعلامي عمرو اديب والذي يحرص في هذا التوقيت من كل عام على استضافه المنجمين في تقليد ممتد منذ أكثر من عشرين عاما مضت، ويسألهم في كل شيء في السياسه والاقتصاد والرياضه و نزاعات الدول واخبار الفنانين وطالع الفنانات ومصير الرؤساء وتوقع حدوث زلازل وبراكين وكوارث… ويحرص كل الحرص على معرفه سعر الدولار ومن الفريق الذي سوف يفوز بالكأس الأهلي أم الزمالك ، وهل محمد صلاح مستمر في ليفربول؟ ….

وأجد نفسي دائما -مثل الكثيرين- ما بين الاستنكار والدهشة التي تصل الى حد الضحك عندما استمع الى تنبؤات الضيف المنجم أو الضيفة العرافة حول هذه الموضوعات وهم يوزعون الورق أو ينظرون في الكوتشينة، والتي لا تصيب دائما… ودائما ما أڜاهد عمرو أديب نفسه وهو يعلق كل عام على عدم حدوث توقعات العام السابق بصوته المعتاد وبنبرة تهكم قائلا : “اهو ما جبناش حاجه من عندنا زي ما بيقول الورق” الشئ العجيب ان كل العرافين والمنجنين في هذا العام توقعوا كل شيء الا صدور قرار من الهيئة المتحدة للإعلام بعدم استضافتهم على القنوات الحكومه المصريه التابعة للهيئة المتحدة للإعلام، وهو القرار الذي لاقى استحسان الكثيرين وتشجيع العديد من المتابعين.

ومن القصص الجميله في هذا الشيء حول كذب المنجمين أنه اثناء الحرب العالميه قدم ضابط برتبة كبيره على القائد السوفيتي ستالين وأخبره بان هناك عرافا يريد مقابلته ليخبره عن المعارك التي سينتصر فيها والمعارك التي سيهزم فيها، فما كان من ستالين الا أن أمر ضابطه بأن يخرج مسرعا ويقتل العراف، فخرج الضابط وقتله ثم عاد وقال له: لماذا أمرت بقتله مع انه كان سيفيدنا ، فقال له: انه كاذب، لو كان يعلم الغيب حقا لما أتى هنا ليقتل…
وفي تاريخنا العربي الكثير والكثير مما يدل على كذب المنجمين، فعندما أراد الخليفه العباسي المعتصم بالله غزو عموريه حذره المنجمون وطلبوا منه الا يستعجل بغزو عموريه قبل نضج العنب والتمر لان الطالع ليس في صالحه، ولكنه لم ياخذ براي المنجمين وقام بغزو عموريه وكان النصر المبين وفتح عمورية، وهنا انشد الشاعر قصيدته الشهيره التي مطلعها: السيف أصدق أنباء من الكتب… في حد الحد بين الجد واللعب. وكانت هذه الحادثه ردا واضحا قويا على مدعي معرفه المستقبل والتكهن بعلم الغيب…

وعندما نرجع إلى المرجع الديني نجد ان التنجيم وادعاء معرفه الغيب منهي عنه في الشريعه الاسلامية، فلا احد يعلم الغيب الا الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله تعالى: وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو، فمفاتح الغيب بيد الله وحده سبحانه وتعالى لم يطلع عليها حتى الملائكة ولا الٱنس ولا الجان، حتى ان الجان عندما ادعوا معرفة الغيب، اراد الله سبحانه وتعالى ان يبطل كذبهم بان جعلهم يلبثون في العذاب المهين دون معرفه موت سيدنا سليمان عليه السلام….ناهيك أن الشريعة حرمت اللجوء الى الكهنه والعرافين وجعلت تصديقهم فيما يقولون ايزانا بالكفر بالرساله المحمديه .

ومن الناحية العلمية نجد ان علم الفلك ليس له أي علاقه بالذين يظهرون عبر القنوات الفضائيه ويدعون معرفتهم بالغيب وعلوم الفلك، ان علم الفلك الحقيقي يقوم على دراسه حركه الابراج السماويه وعلاقتها بحدوث الظواهر الطبيعية، أما تأثير حركة الأبراج والنجوم بمشاعر الانسان وسعادته او بحزنه وبقدره فهذا ليس علما ولا يمكن تفسير ظواهره أو إخضاعها للتجربة …

المشكلة ان هذه البرامج التي تستضيف المنجمين تحمل تحمل نوعا من العبث والاتكاليه والاستخاف بعقول الناس، والمشكلة أن البعض يصدقونهم وتؤثر توقعاتهم على البعض ، فلا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويصابون بحالة من التشاؤم والخوف في بعض الأحيان ، أسمع أن البعض لا يخرج من منزله إلى العمل قبل أن يستشرف الطالع ويقرا حظك اليوم!!

ليت القنوات الفضائيه الخاصة التي تستضيف هؤلاء المنجمين تحذو حزو الشركة المتحدة للإعلام وتحظر استضافتهم على برامجها، فنحن في حاجة إلى استشراف المستقبل بالتفكير العلمي والمنطق السليم وليس بالدجل والخزعبلات، فبناء الاوطان وصناعة مكانة الأمم يكون بالتفكير العلمي والعمل الجاد ومواجهة التفكير الخرافي واستضافة المثقفين والمتخصصين والعلماء، وهو ما انتهجته الحكومة المصرية عبر قنواتها الأعلامية…

زر الذهاب إلى الأعلى