مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: تحريف القرآن الكريم عبر السينما والتليفزيون!

في فيلم “بنات الليل”، الذي أنتجته السينما المصرية العام 1955، ينصح الفنان الراحل حسين رياض، بطلة الفيلم مديحة يسرى قائلًا بكل ثقة واقتدار، وبصوت شجيٍّ: يا هانم.. يقولُ اللهُ في كتابهِ العزيز: “الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمهات”!! وهذه الجملة المأثورة لا علاقة لها بكتاب الله، ولا بكلام الرسول الكريم، ما يعنى أنها ليست قرآنًا ولا حديثًا صحيحًا! ورغم مرور 69 عامًا على إنتاج الفيلم الذي أخرجه حسن الإمام إلا إنه لا يزال يُعرض حتى الآن بهذا الخطأ، ولم تكلف أية جهة معنية نفسها عناء حذف هذا المشهد أو تصويب الخطأ، وهو أمرٌ ليس صعبًا من الناحية التقنية والفنية.
هذه الواقعة ليستْ استثناءً، بل تكررت على نطاق واسع، في عدد كبير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية. والمؤسفُ..أنَّ صُناع تلك الأعمال ينتمون غالبًا إلى نجوم الصف الأول، ويتصدرون المشهد، سواء على صعيد الكتابة أو التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج، فضلاً عن أخطاء وخطايا المذيعين والمذيعات في هذا الشأن، وجميعها ليس ناجمًا عن سهو، ولكن عن جهل واستسهال!
المؤلف الكبير وحيد حامد.. يُعتبر صاحب نصيب الأسد في هذه النوعية من الأعمال التي تعاملت مع كتاب الله بتهاون وإهمال شديدين، سواء على صعيد السينما أو التليفزيون، ففى فيلمه “النوم في العسل”، الذي تم إنتاجه في منتصف التسعينيات، ظهر الممثل الراحل نظيم شعراوي في أحد مشاهده وهو يردد: “يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”، رغم أن الآية القرآنية تقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا”. الأمر نفسه امتد إلى مسلسل “الجماعة” بجزءيه الأول والثانى، حيث لم تخلُ حلقة واحدة من تحريف لآيات الله، مثل المشهد الذي ظهر فيه الممثل محمود الجندى مُحرِّفًا قوله تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ‌ بِالْعُرْ‌فِ وَأَعْرِ‌ضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” إلى: “خذ العفو وأْمُر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين”. وفى الحلقة ذاتها.. حرَّف أحد الممثلين قوله تعالى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ”، لتكون: “الحمد لله الذي هدانا إلى هذا..”!!
في فيلم “زوج تحت الطلب”، الذي كتبه على سالم، وأخرجه عادل صادق في العام 1985، ظلَّ المأذون، الذي جسَّد دوره الممثل الراحل عثمان عبد المنعم، يردد طوال أحداث الفيلم، جملة: “إن أبغض الحلال عند الله الطلاق”، باعتبارها آية قرآنية، رغم أنها ليست قرآنًا أو حديثًا. وهذا خطأ كثير التكرار في عديد من الأعمال الفنية، وفى البرامج الاجتماعية التليفزيونية والإذاعية والكتابات الصحفية!
وتظل هذه الخطايا المؤسفة مستمرة، عبر تاريخ السينما المصرية، حتى نصل إلى فيلم “الضيف”، الذي تم إنتاجه العام 2019، حيث حفل بأكبر قدر من تحريف الآيات القرآنية، رغم أن قصة الفيلم تدور حول شخصية منفتحة على الثقافة الإسلامية، فضلًا عن أن مؤلف الفيلم يقدم نفسه باعتباره المثقف الموسوعي في كل شيء!
وعلى ذِكر الفنانين المثقفين، فإن الفنان الكبير محمود مرسي وقع في هذا الفخ في مسلسل “أبو العلا البشرى”، عندما قال في إحدى الحلقات: “إن الله يغفر الذنوب جميعًا ولو كانت مثل زبد البحر”!! باعتبار ذلك آية قرآنية، وهذا ليس قرآنًا، ولكن خليطًا بين آية قرآنية وحديث قدسي، رغم أن مؤلف المسلسل أسامة أنور عكاشة يُنظر إليه أيضًا باعتباره واحدًا من أبرز نجوم الكتابة في الدراما المصرية على مرِّ تاريخها.
المسلسلات التاريخية والدينية “المصرية” لم تخلُ من هذه التجاوزات بحق كتاب الله، بل إن أخطاءها أكثر من أن يتم إحصاؤها في هذه السطور القليلة، ولا ينبغى التهوين من شأنها، أو التعامل معها باعتبارها أخطاء غير مقصودة، وجلَّ من لا يخطئ! عُمال وموظفو الرقابة على المصنفات الفنية لا ينشغلون بمثل هذا الأمر، ولا يندرج ضمن أولوياتهم، ولا يعاقبهم أحد عليه، في الوقت الذي لا تجد فيه مثل هذه الأخطاء في المسلسلات الدينية السورية أو الإيرانية التي تخضع لتدقيق شديد ومراجعة متأنية.
وفي برنامج رياضي..ذكر رئيس نادٍ سابق –بحكم عمله الأصلي- عبارة: “العدل أساس المُلك”، فما كان من المذيع وضيوفه إلا أن قاطعوه على قلب رجل واحد: “صدق الله العظيم”، وكأنها آية قرآنية مباركة! ومثل هذه الأخطاء لا تزعج القاطنين في نقابة الإعلاميين ولا في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام!

زر الذهاب إلى الأعلى