مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: مسيرة التعليم فى مصر 3/3

نحن لا نرمى إلى تربية موظفين أو إعداد طلاب للشهادات ، ولكننا نرمى إلى تخريج رجال خلائقهم محبة للوطن والتمسك بالفضيلة والإرتباط ببعضهم ، و أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة .. هذا ما قاله مصطفى كامل زعيم الحركة الوطنية عند إنشائه المدارس الأهلية لمناهضة السياسة التعليمية للإستعمار .
أدرك الإنجليز أن السيطرة على التعليم لا تقل أهمية عن سيطرتهم على وزارات الحربية والداخلية والمالية ، لضمان بقائهم لأطول فترة ممكنة فى مصر ، فمن خلال نشر ثقافتهم وحضارتهم يمكنهم خلق طبقة موالية لهم تمكنهم من تحقيق مصالحهم وتضمن بقاؤهم ، ولتحقيق ذلك عين اللورد كرومر المعتمد البريطانى “دنلوب” مستشارا للتعليم 1906م ليقوم بتلك المهمة ، فأحدث دنلوب تغييرا كبيرا فى مناهج التعليم معتمدا على إحلال اللغة الإنجليزية فى المدارس مع إضعاف اللغة العربية وإلغاء الفرنسية وكانت منتشرة فى مصر منذ بداية القرن التاسع عشر .
تبنى دنلوب سياسة تعليمية رجعية وهى ازدواجية التعليم بمعنى العودة لتعليم الكتاتيب وتعليم شعبى وحكومى وتعليم غير حكومى عكس ما أقره البرلمان فى 1866م ، فكان الغرض من سياسته إعداد فئات محددة من المصريين لتولى الوظائف الحكومة وأخرى للمهن الفنية المتنوعة على النمط الأوروبى . فكانت طبقة عليها معرفة مبادئ القراءة والكتابة والحساب فقط ، وأخرى ستتمكن من إتمام مراحل التعليم الإبتدائى والمتوسط ليتم تعيينهم فى الوظائف الحكومية ، وطبقة ثالثة يتم تعليمها على النمط الأوروبى الأرستقراطى وهم من أبناء الباشوات والأعيان وأصحاب الأراضى الزراعية الكبيرة لضمان ولائهم .
وحتى يضمن الإنجليز عدم دخول البسطاء من عامة الشعب مرحلة التعليم الإبتدائى منعوا المجانية بها وجعلوها بمصروفات لا يتحملها إلا الأغنياء ، وعندما رأوا رغبة المصريون فى تعليم أبنائهم فى هذه المدارس متحملين الصعاب لتوفير المصروفات وذلك لضمان العمل فى الوظائف الحكومية ، أصدرت سلطات الإحتلال مرسوما يشترط الحصول على الثانوية للعمل بالحكومة بعد أن رفعوا مصروفات التعليم الثانوى ، رغبة منهم أن يقف مستوى التعليم عند المرحلة الثانوية ، ومع ذلك أصر الكثير من الفقراء على استمرار أبنائهم فى التعليم الثانوى وتوفير المصروفات المطلوبة ، وفى المقابل صدر قرار برفع درجة الإلتحاق بالجامعات المصرية . نلاحظ مدى إصرار المصريين على التعليم رغم ظروفهم المادية القاسية فقد أحدث التعليم فعلا تطور حقيقى فى الشخصية المصرية واستجابتها للعلم والثقافة .
ولمواجهة سياسة التعنت والتضييق على المصريين لحصولهم على التعليم أنشأت وزارة المعارف المصرية سنة 1917م لجنة لبحث كيفية نشر التعليم الأولى ومحو الأمية وكانت 80% .
أما فيما يخص المناهج الدراسية ومحتواها فتم إحلال الثقافة الإنجليزية محل التركية ، وتدريس جميع المواد الدراسية باللغة الإنجليزية بما فيها التاريخ وكان عن التاريخ الأوربى فى جميع مراحل التعليم بما فيها المدارس العليا الطب والهندسة والحقوق التى كانت تدرس بالفرنسية كما ألغى دنلوب استعمال اللغة العربية تماما فى كل مراحل التعليم .
لم يترك الإنجليز ثغرة فى التعليم إلا وتدخلوا فيها حتى العطلة السنوية فكانت منذ محمد على باشا طوال شهر رمضان فقط ، حتى أن جاء شهر رمضان فى صيف 1886م فاستغل الإنجليز ذلك بإصدار قرار بإطالة العطلة السنوية لتكون ثلاثة أشهر شهر قبل رمضان وشهر بعدة حتى يتمكن المدرسين الإنجليز من السفر إلى عائلاتهم ، ومنذ ذلك الحين أصبح تقليدا متبعا إلى الآن .
وخلال هذه الحقبة من مسيرة التعليم فى مصر ظهرت الطبقية بصورة فجة ، فحدث فصل كامل بين تعليم الأثرياء وتعليم الفقراء ، فعلى الرغم من وجود مدارس أجنبية وحكومية فى السنوات السابقة للإحتلال البريطانى ، إلا أن التعليم الأجنبى كان مخصص فى الغالب للجاليات الأجنبية وكانت المدارس الحكومية لفئات الشعب المختلفة حتى الأثرياء.
وكانت بارقة الأمل مع انطلاق الحركة الوطنية بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد حيث بدأت الإهتمام بالتعليم وإنشاء المدارس فرأت أن محو الأمية وتثقيف الشعب أفضل وسيلة لمحاربة الإستعمار ، فأنشأت المدارس بمساهمات الجمعيات الخيرية والأهلية والأعيان وكانت بمصروفات بسيطة لدفع مرتبات المدرسين مع تخصيص جزء بالمجان ، وانتشرت المدارس الخيرية الإسلامية والقبطية .استطاعت الحركة الوطنية تحقيق أهدافها إلى حد كبير فى محاولة تمصير التعليم وبالفعل صدر قرار بتدريس الحساب والهندسة فى السنة الأولى بالمدارس الثانوية باللغة العربية ابتداءا من 1907م ، وبالمناسبة حصلت فى نفس السنة نبوية موسى على شهادة البكالوريا وهى أول فتاة تحصل عليها فى مصر ، واستطاعت الوقوف ضد دنلوب ومهاجمة مناهجة الدراسية حتى أنها وضعت منهج دراسة اللغة العربية واقرته وزارة المعارف ليدرس بمدارسها كما أدارت العديد من المدارس الحكومية والخاصة .
تضمن دستور 1923م لأول مرة رسم ملامح اساسية للتعليم ، حيث صدرعدد من القوانين المنظمة للتعليم بصفة خاصة وكان أولها أن التعليم يكون إلزاميا للمصريين بنين وبنات .
وفى 1938م صدر قرار إلغاء التدريس باللغة الأجنبية فى السنة الأولى والثانية أعقبها قرارات دمج الأنماط التعليمية لجميع المدارس فى نظام تعليمى واحد أطلق عليه التعليم الإبتدائى .
وعند توليه وزارة المعارف أصدر نجيب الهلالى سنة 1944م قرار مجانية التعليم الإبتدائى ، وعندما تولى الدكتور طه حسين وزارة المعارف أصدر قرار بمجانية التعليم الثانوى سنة 1951م .

زر الذهاب إلى الأعلى