د.أمانى فاروق تكتب : رحلة في أعماق النفوس مع مصطفى حسني

استيقظتُ هذا الصباح، وأنا أشعر بأن شيئًا في داخلي يدفعني للتأمل، للتوقف، للإنصات إلى ما لا يُقال. كنت أُفكر بعمق في كل ما يدور حولنا… في البشر، لا كما يظهرون، بل كما يخفون. في طبائع النفوس، وتقلباتها التي قد تجرح، تخدع، أو تُربك خطواتنا نحو النور. وكأن الله أراد أن يُجيب تساؤلاتي بطريقته، فبمجرد أن فتحتُ التلفاز، وقعت عيني على حلقة جديدة من برنامج “نفوس” للداعية الشاب مصطفى حسني، وكانت بعنوان “النفس المصلحجية”… وإذا بي أجد نفسي أمام مرآة، لا شاشة.
كانت الحلقة عميقة، إنسانية، مدهشة في بساطتها، مؤلمة في صدقها. لم تتناول النفس المصلحجية كحالة فردية شاذة، بل كواقع معاش، نراه كل يوم بين زملاء العمل، بين الأصدقاء، وحتى أحيانًا في دوائر أقرب مما نتخيل. إنها النفس التي لا تتحرك إلا بدافع مصلحة، والتي لا تُقيم للعلاقات قيمة إلا بقدر ما تعود عليها بالنفع. حلقة جعلتني أطرح سؤالًا مرًّا: كيف ننجو من جراح هذه النفوس؟ كيف نُكمل الطريق وسط عالم تتكاثر فيه القلوب المريضة؟
برنامج “نفوس” في مجمله ليس فقط سلسلة دينية، بل تجربة إنسانية بامتياز، يغوص من خلالها مصطفى حسني في أعماق النفس البشرية، بمزيج من الرؤية الإيمانية والفهم النفسي والاجتماعي. إنه يُحدثك عن نفسك دون أن يُدينك، ويكشف لك مَن حولك دون أن يزرع الكراهية في قلبك. إنه يدعوك للتفكر لا للنفور، وللإصلاح لا للانسحاب.
في مجتمعنا، وفي حياتنا اليومية، أصبحنا نُصادف أنواعًا من النفوس المريضة التي تبيع أقرب الناس بأرخص الأثمان، تتنكر للجميل، وتتزيّن بالكذب، وتتقن التسلّق على أكتاف الطيبين. كم مرة وقفنا مندهشين أمام تصرفات لا تمت للإنسانية بصلة؟ كم مرة تساءلنا: هل هذه هي الحياة التي نعيشها أم كابوس لا ينتهي؟ وبرغم كل ما نراه ونُعانيه، إلا أن البرنامج يعيد إلينا توازننا الداخلي، يهمس لنا أننا لسنا وحدنا، وأن مواجهة هذه النفوس لا تعني أن نُشبهها، بل أن نسمو عنها.
علّمَنا البرنامج أن النفس السليمة لا تُقابل الشر بالشر، بل تُجاهد لتبقى نقية، طاهرة، ثابتة. وأن الإنجاز الحقيقي لا يتحقق فقط في صعود المناصب أو جمع المال، بل في المحافظة على قلب سليم وسط عالم مريض.
في نهاية هذه الرحلة، أجد نفسي أمام رسالة لا بد أن أوجّهها لنفسي، ولكل من يقرأ:
لا تسمح لنفسٍ مريضة أن تسرق سلامك الداخلي. قاوم، واصل، اعمل، وازرع الخير، حتى في أرضٍ قاحلة. لأن الله يرى، وميزان السماء لا يختل.
وإن لم تجد من يقدّر نقاءك اليوم، فاعلم أن الله يُعد لك مكانًا، ووقتًا، ونفوسًا تُشبهك، فقط تمسّك بنورك، ولا تنطفئ.