حازم البهواشي يكتب: زقزوق في الأوقاف
قضى الدكتور “محمود حمدي زقزوق” (1933م _ 2020م) 15 عامًا في وزارة الأوقاف بدءًا من الرابع من يناير عام 1996م وحتى الثلاثين من يناير عام 2011م لم يُغيِّرْ فيها أثاثَ المكتب، وظلَّ الأثاثُ القديم كما هو طوال هذه الفترة، رغم أنه لم يكن يتوقع أن يظل في الوزارة أكثر من عام أو عامين!!
ومن طريف ما يتحدث عنه د/ “زقزوق” في سيرته الذاتية (رحلة حياة… ذكريات وحقائق وتجارب حياتية)، أنه عندما زار أستاذَه الألماني “راينهارد لاوت” الذي كان مُشرفًا على رسالته للدكتوراه، وعلِم الأستاذ أن تلميذه وصل إلى هذا المنصب الرفيع، لم يبتهج أو يفرح، بل قال للوزير: (إن هذا العمل سيعوقك عن البحث العلمي الذي هو أعلى قيمةً من أي منصب)!!
يذكر الدكتور “زقزوق” أيضًا أنه وقد عاصر ثلاثةً من رؤساء الوزارات: د. “كمال الجنزوري” (1996 _ 1999م) و د. “عاطف عبيد” (1999 _ 2004م) و د. “أحمد نظيف” الذي شكَّل الوزارة مرتين بعد د. “عاطف عبيد” وحتى نهاية يناير 2011م عندما تقدمت الحكومة باستقالتها بعد ثورة 25 يناير، يذكر د. “زقزوق” أنه خلال هذه الفترة لم تَصدر له تعليمات من أي جهةٍ في الدولة لاتِّباعِ سياسةٍ مُعينةٍ في العمل، وكان كلُّ ما اتخذه من مبادراتٍ وإصلاحاتٍ أو قراراتٍ نابعًا من اقتناعه الشخصي، ومن أهم هذه القرارات ضمُّ المساجد الأهلية بواقع ستة آلاف مسجد سنويا، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف زاوية سنويا، فدخل الوزارةَ وهي تشرف على عشرين ألف مسجد فقط، وخرج منها وهي تشرف على 82 ألف مسجد و 25 ألف زاوية. هذا فضلًا عن تعيين ثلاثة آلاف من خريجي الأزهر سنويا بعد توقف التعيينات.
يذكر الدكتور “محمود زقزوق” أيضا أن شيخ الأزهر الراحل د. “محمد سيد طنطاوي” (1928م _ 2010م) عندما أراد أن يخطب بصفة دائمة في الجامع الأزهر طلب من د. “زقزوق” أن يُصدِرَ له قرارًا بذلك!! الأمر الذي أزعج “زقزوق” الذي كان رده: (أنت شيخ الأزهر)!! لكن الإمامَ الأكبر أصَرَّ، وقال: (إن الجامع الأزهر الآن يتبع وزارةَ الأوقاف، وإنه لن يعتليَ المنبر بدون إصدار قرار)!!
من مكتبته الخاصة زوَّد د. “زقزوق” مكتبةَ الجامع الأزهر ومكتبةَ مسجد النور بالعباسية بقرابة ثلاثة آلاف كتاب، وأمر بتنظيم إنفاق أموال النذور _ التي كانت تُهدر _ واستغلالها في إنشاء المكتبات العامة. وفي مجال ترجمات معاني القرآن تم إعادةُ النظر في الترجمة الإنجليزية التي كانت قد صدرت في عهد الدكتور “محمد علي محجوب” وزير الأوقاف الأسبق (15 أكتوبر 1939م) ، وأعيد طبعُها بعد مراجعةٍ استمرت قرابة عامين، فضلًا عن إنجاز ست ترجماتٍ جديدة لمعاني القرآن الكريم باللغات: الفرنسية (التي بدأ العمل فيها في عهد د. محجوب)، والألمانية والروسية والإسبانية والإندونيسية والسواحيلية، وكانت تُوزع كلها عن طريق المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالمجان للناطقين بهذه اللغات، والمثير أن وزيرَ الأوقاف في عهد حكومة الإخوان وفي يناير 2013م في مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي أهدى للرئيس ترجمةَ معاني القرآن بسبع لغات، من دون الإشارة إلى من قام بهذا العمل!! والأكثر إثارةً وسوءًا من ذلك ما قام به وزير الأوقاف السابق مع الدكتور “زقزوق” أيضًا من انتحال مجهود سنوات!! وقد تحدث عن ذلك الكاتب الصحفي الأستاذ “مختار محمود” في مقاله المعنون بـ (وزير الأوقاف والتدليس على الرئيس!) ويمكنكم العودة إليه لاكتشاف الأشد سوءًا!!
بقي أن أُشير إلى أن فترةَ الدكتور “زقزوق” في وزارة الأوقاف لم تخلُ من كثيرٍ من اللمحات الإنسانية، وقد شهد له الجميع بنظافة اللسان ونظافة اليد ولم يستطع من اتهمه بغير ذلك إثباتَ شيء عليه، ورغم هذا فإن قليلًا أو كثيرًا من الأئمة _ لا أذكر عددًا بلا دليل _ لم يكن يعجبهم د. “زقزوق”، وهم يتغنون به الآن، وهذا يؤكد لنا أنَّ رضا الناس غايةٌ لا تُدرك، ورضا الله غايةٌ لا تُترك، فاتركْ ما لا يُدرك لأجلِ ما لا يُترك؛ فالله يَملِكُ كُلَّ ما لا يُدرك!! وهذه رسالةٌ لوزير الأوقاف الجديد.