مختار محمود يكتب: القرآن الكريم بين وزيرين!
في كلمته بمناسبة الاحتفال بالعيد الماسي لجامعة القاهرة..أخطأ الرئيس الأسبق حسني مبارك في القراءة الدقيقة لقول الله تعالى: “إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ”، بضم لفظ الجلالة، ونصب لفظة “العلماء”، والصحيح هو العكس، وهذا خطأ مشهور يقع فيه بعض رجال الدين والأئمة أنفسهم. وأمام هذا اللحن –الذي قد يراه البعض بسيطًا أو سهوًا غير مقصود- انزعج بعض قيادات ماسبيرو، وتواصلوا مع وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، وأبلغوه -دون خوف أو وجل- بخطأ الرئيس فى تلاوة الآية الكريمة، فما كان من الأخير إلا التواصل مع مسؤولي الرئاسة وإحاطتهم بالأمر، وتم التعامل بجدية وجرى تفهم الموقف والاتفاق سريعًا على حذف المقطع القرآني من كلمة الرئيس، التي كان من المقرر إذاعتها عدة مرات بطبيعة الحال.
اللافت أن صفوت الشريف –بكل تاريخه المعروف والمتداول، فضلاً عن أنه لم يكن أزهريًا مُعممًا- رفض أيضًا بحكم منصبه استغلال شهرة إذاعة القرآن الكريم ووصولها إلى كل بيت مصري فى بث الإعلانات المدفوعة، وأمر بعدم إذاعة أية إعلانات من خلالها، وهو القرار الذى لقي يومئذ استحسانًا من العاملين بالإذاعة ومتابعيها وأثلج صدورهم، واعتبروه دليلاً على احترام الباب العالي للقرآن الكريم.
في عقود منقضية من تاريخ مصر، قبل إعلان الجمهورية الأولى وبعدها..كان للقرآن الكريم وكل ما يتصل به وقارُه الذي لا يقبل مساومة. كان كتاب الله خطًا أحمر لا يجب المساس به أو الاقتراب منه؛ لا سيما على المستويات الرسمية جدًا. انعكس ذلك على سبيل المثال في عدم التساهل البغيض بشأن اعتماد قراء الإذاعة، مثلما يحدث في السنوات الأخيرة، وأثمر حصادًا مريرًا. كان لزامًا أن تمضي الأمور في مساراتها الصحيحة والمنضبطة. ورغم أن دوام الحال من المُحال قطعًا، إلا إنه كان يجب ألا تنسحب هذه القاعدة غير الطيبة على القرآن الكريم. كان يجب أن يظل محكم التنزيل بمنأى عن تغييرات الزمن وتقلباته وتحولاته الرديئة، وهذا لم يحدث سهوًا أو عمدًا. الله وحده يعلم ويسمع ويرى. لقد تغيرت الصورة وتبدل المشهد ولم تعد الحال كما كانت. لم يعد للقرآن الكريم مكانته ومنزلته عند بعض مَن بأيديهم الأمر والنهي. تعظيم كتاب الله تعالى جزء أصيل من الهوية المصرية الرسمية، ويجب أن تبقى هذه العقيدة راسخة لا تشوبها شائبة، ولا تحيطها شبهة، ولا يجرحها صغير. كان وزير الأوقاف السابق سببًا رئيسًا في إحداث حالة من التشويش في هذا الأمر، وهذا سمتُ مَن يتولون مناصب أكبر منهم. الآن وقد زال الوزير، فإنه أصبح واجبًا إعادة الشيء إلى أصله وإعادة تعبيد المسارات الملتوية وضبطها. أفسد الوزير الأزهري المُعمم إذاعة القرآن الكريم بكل ما أوتي من قوة، وكأنه جاء لينتقم منها، وأهان وظيفة الإمام عندما استوطن القِبلة فارتبك في فاتحة الكتاب وألحن على الهواء مباشرة، ولم يعتذر، بل اتهم كل من روج هذا الفيديو باتهامات سياسية شنيعة يجيد صناعتها وصياغتها بإحكام من قبل استوزاره! ليس صعبًا ولا مستحيلاً أن تستعيد إذاعة القرآن الكريم رونقها المفقود، وأن يتم تطهير أثيرها من رجس الإعلانات، وأن ترجع كما كانت خلوًا من كل عبث أو لهو أو سذاجة أو استسهال أو استغباء أو استغلال. لجان الاستماع الموحد بالإذاعة والتليفزيون وجب أن تستعيد رشدها المفقود وألا يتدخل أحد –مهما علا شأنه- في شؤونها. عندما تدخل رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب من قبل في عملها كانت النتيجة صلاح الجمل! كفانا ما حدث. هناك عائلات كانت تعتزم توطين أبنائها تحت رعاية الوزير المعزول في شبكة القرآن الكريم! كل هذا العبث يجب أن ينتهي ويزول في التو واللحظة، حتى لو لم يكن للإعلام وزير أو مسؤول بدرجة “رجل دولة” من طراز صفوت الشريف؛ تقديرًا لكتاب الله تعالى أولاً وآخرًا.