مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: أحاديث رمضانية غير صحيحة!

كل عام وأنتم بخير، ساعات قليلة تفصلنا عن حلول شهر رمضان ٢٠٢٤. والشهر الكريم يمثل مناسبة دينية وروحية عظيمة لعموم المسلمين.
يصوم المسلمون شهر رمضان؛ تنفيذًا للأمر الإلهي القاطع: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن؛ هُدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه”. القرآن الكريم أوضح أيضًا الغاية المثلى من الصوم وهي التقوي وتهذيب النفس: “يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام، كما كُتب على الذين من قبلكم؛ لعلكم تتقون”. لا يحتاج المسلم أدلة أخرى على وجوب الصوم وشرعيته وفرضيته وأهميته بعيدًا عن آيات الصيام الواردة في سورة “البقرة”، وكذا الحديث الجامع لأركان الإسلام الخمسة، حيث يحتل صوم رمضان الركن الرابع بعد الزكاة وقبل الحج. ولكن يُلاحظ فور ثبوت هلال شهر رمضان من كل عام ترديد بعض المشتغلين بالدعوة أحاديث عن فضل الصوم وثوابه وفوائده الطبية لا أصل لها، وكأنهم يُغرون المسلمين بالصيام، ويتخذها الصغار والمتشككون مطيَّة للطعن في الدين. والغريب أن هذه الأحاديث تذاع وتنشر على منابر المساجد وعبر وسائل الإعلام الرسمية بشكل موسمي!
ربما يكون الحديث الأشهر عن الصوم هو حديث: “صوموا تصحوا”، وهو من حيث المعنى صحيح بشهادة الثقات من الأطباء الثقات، إلا أنه ضعيف، بشهادة علماء الحديث. حديث: “أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار» لا أصل له، ويصفه أهل الحديث بأنه ضعيف جداً ومنكر! حديثُ: “إنَّ للهِ عزَّ وجلَّ في كلِّ ليلةٍ من رمضانَ سِتَّمِائةِ ألْفِ عَتيقٍ من النارِ، فإذا كان آخِرُ ليلةٍ أعتَقَ اللهُ بِعددِ كُلِّ مَنْ مَضَى”، مُرسلٌ و ضعيفٌ ولا أصلَ له. وكذلك حديث: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبدًا، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله”، ضعيفٌ وموضوعٌ بشهادة ابن الجوزى وغيره. حديث: “إن الجنة لتُبخَّر وتُزيَّن من الحَول إلى الحَول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبَّتْ ريحٌ من تحت العرش يقال لها: المثيرة … قال : ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره”، وصفه علماء الحديث بأنه موضوع ولا يصح. وكذلك حديث: “لو يعلمُ العبادُ ما في رمضانَ لتمنَّت أمَّتي أن يكونَ رمضانُ السَّنةَ كلَّها”، فهو موصوف بأنه موضوع وضعيف. الحديث المشهور: “يا أيُّها النَّاسُ قد أظلَّكم شهرٌ عظيمٌ … ومَن تقرَّبَ فيهِ بخَصلةٍ منَ الخير كانَ كمَن أدَّى فريضةً فيما سِواهُ، ومَن أدَّى فريضةً كانَ كمَن أدَّى سبعينَ فريضةً فيما سِواهُ»، أورده ابن حجر العسقلانى وغيره ضمن الأحاديث الموضوعة والمُنكرة. ويُشبهه فى ضَعفه حديث: “شهر رمضان شهر أمتي تُرمَض فيه ذنوبهم، فإذا صامه عبد مسلم ولم يكذب ولم يغتب وفطره طيب، خرج من ذنوبه كما تخرج الحيَّة من سلخها”. ينضم إلى هذه السلسلة من الأحاديث حديث: “من أدرك شهر رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه وكتب له بكل يوم عتق رقبة وبكل ليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس في سبيل الله وفي كل يوم حسنة وفي كل ليلة حسنة”، ذو إسناد ضعيف وأدرجه كثيرون ضمن الموضوعات. وكذلك حديث: “كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخَلَ رجبٌ قالَ: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”، فهو ذو إسناد ضعيف بحسب الإمام النووى وغيره. أما حديث: “رَجبُ شهرُ اللهِ، وشعبانُ شهري، ورمضانُ شهرُ أمتي …”، فقد أجمع علماء الحديث المتقدمون مثل: الإمام ابن الجوزي وابن حجر العسقلاني على ضعفه. وكذلك حديث: “من فطر صائمًا في شهر رمضان من كسب حلال؛ صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها، وصافحه جبرائيل ليلة القدر، ومن صافحه جبرائيل عليه السلام يرق قلبه، وتكثر دموعه. قال : فقلت : يا رسول الله ! أفرأيت من لم يكن عنده ؟ قال : فقبصة من طعام. قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده لقمة خبز ؟ قال : فمذقة من لبن . قال أفرأيت إن لم تكن عنده ؟ قال : فشربة من ماء»، فقد قال غير واحد من أهل الاختصاص إنه موضوع ولا يصح!
أما حديث: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَر، قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْت» فقد اعتبره الإمام الشوكاني والحافظ وابن حجر العسقلاني ذا إسناد ضعيف. وكذلك حديث: “كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذا أَفْطَرَ، قال: اللهم لك صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أنت السَّمِيعُ الْعَلِيم”، فقد أجمع عدد كبير من أهل العلم على أن سنده واهٍ جدًا وضعيف.
حديث: “نومُ الصائمِ عبادةٌ، وصَمْتُه تسبيحٌ، وعملُه مُضاعَفٌ، ودعاؤُه مُستَجابٌ، وذنبُه مغفورٌ”، وصفه كلٌّ من: الإمام العجلوني والإمام العراقي وغيرهما بأنه ضعيف جدًا، وكذلك حديث: “يوم صومكم يوم نحركم”: فإنَّ هناك إجماعًا على أنه لا أصل له، كما أنكره ابن تيمية تمامًا، واعتبره غيرُه باطلًا. وكذلك حديث: “من أفطر يومًا من رمضان في غير رخصة ولا مرض، لم يقض عنه صوم الدهر كله، وإن صامه” فقد صنفه الدراقطنى وابن باز وغيرهما بأنه حديث ضعيف ولا يصح!!

زر الذهاب إلى الأعلى