حازم البهواشي يكتب: في حب صحبة الدراسة الأولى

مما يُنسب إلى سيدنا عليّ _ رضي الله عنه _ قوله:
فَما أَكثَرَ الإِخوانَ حينَ تَعُدُّهُمْ // وَلَكِنَّهُمْ في النائِباتِ قَليلُ.
من هنا تفهم أن مِن أجَلِّ نِعَمِ الله على عبده أن يرزقه صحبةً طيبةً يستطيع أن يسكنَ إليها، ويعتمدَ عليها _ بعد الله _ إذ تتسم بالرجولة والنخوة وهي الصفات التي تظهر في الشدائد.
الصحبةُ الصالحة تُعينك على سُبل الخير، والصحبةُ السيئة تجُرُّك إلى سُبُل الشر، ومثلما نقول (الصاحب ساحب).
ولعلَّ صحبةَ الدراسةِ الأولى _ في المرحلة الابتدائية _ تتميز عن غيرها بأنها أكثرُ نقاءً؛ إذ لا يعرف صاحبٌ أخاه لمصلحةٍ أو لغرض، ولم يتبين مستقبلُ أحدِهم مرموقًا كان أو غير ذلك ليتودد البعضُ إليه، ويبتعدوا عن غيره؛ فمشاعر الطفولة هي الأنقى، والعلاقات ليست بهذه التعقيدات التي تظهر بعد ذلك، مشُوبةً بما يُعكر صفوها ويُدنس طهارتها من مشكلات الدنيا وأفكارها التي تتعارض مع مصالح البعض، فتقسم الناس وتفرقهم بين الطرق.
لعلك حين تقابل واحدًا من صحبة الدراسة الأولى في المرحلة الابتدائية _ إن كانت الصلاتُ قد انقطعت بينكما _ تجد نفسك تبتسم فجأة _ وعلى حين غفلةٍ منك _، ابتسامةً لم تكن في الحسبان، ابتسامةً تخرج من القلب مُغلفةً بنقاء الزمن الأول فهي سبيكةٌ ذهبية عيار 24 تزداد قيمتها يومًا بعد يوم.
من حكايات الصحبة الأولى ما حدث في مدرسة الأقباط الابتدائية بقريتي سنباط، حيث الطالب (سعد جرجس) في الإذاعة المدرسية يقدم الحديثَ الشريف يوميًّا، ويفتتحه كالمعتاد بالعبارة المشهورة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقد اعترض يومًا وغضِب إذ جعلوه يُقدم (حكمة اليوم)، وأبدى انزعاجًا قائلًا بطفولة بريئة لمقدمة الإذاعة المدرسية وهي أختي (ميرڤت): (ماليش دعوة، أنا اللي بقول الحديث الشريف)!! هذا موقفٌ مصري أصيل ربما لا تجده في أي مكان آخر، وهذا هو نقاء الصحبة الأولى.
في أيام الصحبة الأولى بمدرستي (الأمريكان)، جمعنا طعامٌ واحدٌ في المدرسة يُحْضِرُ فيه كلٌّ منا ما يستطيع من خيرات الله في بيته، الجبن القديم أو الجبن القريش أو الليمون المخلل أو اللِّفت المخلل أو الخبز الذي خُبِز في البيت. في أيام الصحبة الأولى جمعنا الحرصُ على مصلحة بعضنا البعض بسُنّةٍ حسنة لمدرسينا إذ قرروا أن يكون كل تلميذ متفوق مسؤولًا عن تلميذ غير متفوق، يتابعه ويقرأ معه ويتأكد من أنه يقرأ الدرس جيدًا. في أيام الصحبة الأولى تعاملنا مع مَدرستنا _ رغم ضعف إمكانياتها _ على أنها بيتنا، نعتني بها ونشعر بالانتماء إليها والمسؤولية عنها، فكنا نسير إليها محبين ونقضي الوقت بها مغرمين.
إلى أصدقاء وزملاء صحبتي الأولى… من غادرنا: لكم السلام، ومن يُعارك الحياة: عِش قليلًا مع ذكريات الصحبة الأولى علَّها تكون بلسمًا يُضمد الجروح ويُساعد على شفاء الروح.