مختار محمود يكتب: عاد مُسيلمة وغاب ابن الوليد

السلامُ عليكَ ورحمة الله وبركاته خالدَ بنَ الوليد. طِبتَ حيًا وميتًا. لعلك وجدتَ ما وعدَك ربُّك حقًا. كنتَ يا أبا سليمان فارسًا مغوارًا، ترتادُ ساحاتِ الوغى، فترتجفُ منك قلوبُ أعداء الإسلام وخصومه وكارهيه، حتى وصفكَ رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- بـ “سيفِ اللهِ المسلول”.
لعلك -يا صاحبَ رسول الله- تذكرُ حربَك ضد مُسيلمة الكذاب وأعوانه ورفاقه وأقرانه عقبَ وفاة النبىِّ الكريم. لقد نجحتَ يومئذ يا أبا سليمان فيما سعيتَ إليه وكسرتَ شوكتهم، وطهَّرتَ حِياضَ الإسلام من أدرانِهم وخبائثِهم، ولكن يؤسفنى، أيُّها الفارسُ المغوارُ، أنْ أخبرَك بأنَّ مُسيلمة الكذَّابَ، وعبدَ اللهِ بنَ أُبىِّ بن سلول، وأعوانَهما قد عادوا اليومَ أكثرَ عددًا وعتادًا ومكرًا ولؤمًا وفُجرًا ونفاقًا وتمكينًا..
نعم..هم عادوا، يا “خالد” وأنت لم تعدْ، ولن يجودَ الزمنُ بمثلك مُجددًا. هم عادوا ويعيثون فى الأرض فسادًا، وأنت يا أبا سليمان لا تزالُ حبيسَ قبرك، وسوف تبقى، حتى يقومَ الناسُ لربِّ العالمين. هم لا يريدون عودتك، ولا يبغونَ نظيرًا لك.
عندما قضى الله أجلك يا أبا سليمان، وأنتَ ابنُ خمسة وخمسين عامًا، في العام الحادى والعشرين من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التاعَ الرجالُ والنساءُ؛ حُزنًا على رحيلك الصادم، حتى أنَّ أميرَ المؤمنين الفاروقَ عُمَرَ بنَ الخطاب –وهو مَن هو شجاعةً وجَسارةً وبأسًا- قال قولته المشهورة: “دعْ نساءَ بني مخزوم يبكينَ على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن؛ فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي”. وإنْ لم يبكِ الرجالُ والنساءُ عليك يا “خالدُ”، فعلى مَن يبكونَ: أعلى ضُعفاءَ النفوس وصغار الشِّيَمِ ومعدومي الضمير؟َ
لقد تجلتْ قدرتك الإستراتيجية يا أبا سليمان -كما سجَّلَ عباس العقاد فى تحفته الرائعة “عبقرية خالد”- في حروب الرِّدة وفتح العراق والشام، بعدَ أن كسرتَ جيوشَ دول عُظمى للفرس والروم، بتكتيكاتٍ حربيةٍ سبقتْ عصرَك، وجعلتكَ أحدَ القادة المُميزين الذين لم يُهزموا في أكثرَ من مِائة معركة حربية كبيرة، وهذا يؤلم أنسال مسيلمة ويؤذي ذرية ابن سلول، وتضيق به صدورُهم؛ فهم لا يريدون للإسلام راية خفَّاقة، ولا لواءً مرفوعًا، ولا كلمة مسموعة.
إنهم يريدون يا “خالد” مسلمين منبطحين خاضعين خانعين مقهورين مكسورين. إنهم يكرهون أنْ يسودَ الحقُّ، ويُسعدَهم أنْ يسودَ الباطلُ. وخالدٌ فى سبيـلِ اللهِ مُـوقدُهـا، وخالدٌ فى سبيـلِ اللهِ صـاليها، هكذا وصفك شاعرُ النيل “حافظ إبراهيم”، تعظيمًا لجهادك واجتهادك وتضحياتك، فلا ينكر فضلك يا أبا سليمان إلا جاحد، ولا يغتال سيرتك إلا منافقٌ، فلا تبتئسْ، ولا يُحزنْك قولُهم.. وكما قلتَ أنت لحظة وفاتِك: “فلا نامتْ أعينُ الجبناء”، وخصومُك وكارهوك يا “خالدُ” جُبناءُ، وعند اللهِ حتمًا سوف تجتمعُ الخصومُ.