وزير الخارجية من رفح إلى بروكسل والأمم المتحدة .. رسائل مصرية قوية تجمع بين الحزم والإنسانية
بقلم أنس الوحود رضوان

أثبت الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، أن الدبلوماسية المصرية لا تزال قادرة على أن تفرض احترامها حين ترتكز إلى الثقة والندية والتمسك الصارم بالسيادة الوطنية. ففي تصريح حاسم وضع النقاط فوق الحروف، أعلن أن أي اقتراب من السفارات المصرية بالخارج سيقابله رد مماثل في القاهرة، ليرسم خطاً أحمر عنوانه: أمن مصر وبعثاتها لا يُمس.
الرسالة وصلت سريعاً. وزير خارجية هولندا قدّم اعتذاراً رسمياً، ودول أخرى سارعت إلى مراجعة مواقفها بعدما أدركت أن مصر لا تفرّط في هيبتها. هكذا تجلّت مدرسة مصرية أصيلة في الدبلوماسية، مدرسة الندية والاحترام المتبادل، التي ترفض أن تُنتقص هيبة الدولة تحت أي ظرف.
لكن بدر عبد العاطي لم يكتفِ بلغة التحذير. فمع بداية مهمته على رأس الخارجية، مدّ جسور الحوار مع العواصم الأوروبية الكبرى، واضعاً نصب عينيه تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وفي لقاءاته الأخيرة، حمل رسائل واضحة: مصر شريك لا يمكن تجاوزه في ملفات الهجرة غير الشرعية، مكافحة الإرهاب، وأمن الطاقة. خطاب صريح جعل الأوروبيين أكثر تفهماً لموقف القاهرة، وأكثر حرصاً على التعاون معها.
الدبلوماسية عند عبد العاطي لا تقتصر على السياسة وحدها، بل تمتد إلى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا. فصورة مصر التي قدّمها للعالم هي دولة حديثة، منفتحة على الشراكات، تبحث عن مصالح متبادلة وتبني علاقات متوازنة تعكس مكانتها التاريخية.
ولأن البوصلة المصرية ثابتة، فقد كانت القضية الفلسطينية في قلب تحركات الوزير. في الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وسائر المحافل، جاء صوته حاسماً: دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض أي إجراءات تمس بالقدس أو تغيّر هوية الأراضي المحتلة. لم تكن الكلمات وحدها، بل ترجمتها مصر أفعالاً؛ من وقف التصعيد في غزة، إلى فتح معبر رفح للمساعدات الإنسانية، وصولاً إلى جهود إعادة الإعمار.
وفي مشهد إنساني بليغ الدلالة، اصطحب بدر عبد العاطي رئيس وزراء فلسطين إلى معبر رفح أمام وسائل الإعلام العالمية، ليؤكد أن مصر ليست وسيطاً بعيداً بل الرئة التي تتنفس منها غزة. ثم استكمل رسالته بزيارة جرحى غزة في مستشفى العريش، و كان الحضور بجانب المصابين وأسرهم أبلغ من أي خطاب بحضور الوكالات والمراسلين الأجانب
بهذه المواقف، قدم وزير الخارجية درساً عملياً في فن إدارة الصورة والدبلوماسية الميدانية. فالعالم قد لا يتابع تفاصيل البيانات، لكنه بالتأكيد يتأثر بالمشهد الإنساني الصادق. وهكذا جمعت الدبلوماسية المصرية في عهد عبد العاطي بين قوة الحزم ودفىء الإنسانية.
إنها ليست مجرد تحركات عابرة، بل نهج متكامل يرسّخ لمكانة مصر كدولة عريقة بتاريخها، قوية بمواقفها، وقادرة على صياغة سياسات والتأثير في مسارات الأحداث. وفي زمن تشتد فيه التحديات، تثبت القاهرة أن صوتها الدبلوماسي لا يغيب، بل يعلو ويُسمع ويُحترم.