مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: احسان مابين ميلاده ورحيله فى يناير

0:00

” كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبنى فى البداية بما يشبه الدوار الذهنى حتى اعتدت عليه التدريج, واستطعت أن أعد نفسى لتقبله كأمر واقع فى حياتى لامفر منه”, هذا هو اتعبير الذى استخدمه الروائى والكاتب إحسان عبد القدوس – الذى رحل عن دنيانا فى 12 يناير 1990- ليصف نشأته مابين بيت جده الأزهرى الذى لم يكن يخلو من الدروس الدينية, وبين بيت والدته روزاليوسف الفنانة والصحفية القديرة التى كانت ندوتها تناقش أمور الأدب والسياسة. هذا التناقض كان سر ثرء شخصية إحسان الذى أصابته محنة الأدب فترك المحاماة, وامتاز كروائى وكاتب وصحفى مما مكنه من تولى رئاسة تحرير ثلاث من الإصدارات الصحفية المهمة هى:روز اليوسف, وأخبار اليوم, ثم الأهرام عام 1975ولمدة بضعة أشهر, وفى كل مرة كان يترك المنصب مختارا دفاعا عن قناعاته الفكرية ولإيمانه بأن قلمه أحد من سيف السلطة.
ولد إحسان أول يناير سنة 1920ونشأ فى بيت والده الشيخ رضوان الذى تعود جذوره إلى قرية الصالحية محافظة الشرقية, وكان من خريجى الجامع الأزهر, ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية.در إحسان فى مدرسة خليل أغا بالقاهرة 1927-1931,ثم فى مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة1932- 1937,ثم التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة. عمل فرة فى مكتب أح كبار المحامين, ويدعى إدوارد قصيرى, إلا أنه لم يجد نفسه فى المحاماة, وتركها متفرغا للأدب والصحافة, وأصبح بعد أقل من بضع سنوات صحفيا متميزا وشهيرا, وروائيا وكاتبا سياسيا, وفى عام1945 كتب مقالا ضد السفير البريطانى بعنوان “هذا الرجل يجب أن يذهب”, وكان محمود فهمى النقراشى رئيسا للوزراء فصادر المجلة, وقبض على إحسان, وأودع سجن الأجانب, وشهد مكت وكيل النيابة مناقشة حامية بين الأم روز اليوسف والإبن احسان عبد القدوس كل منهما يريد أن يتحمل مسئولية المقال. تقول الأم فاطمة اليوسف فى مذكراتها:إنها عينت إحسان بعد الإفراج عنه رئيسا لتحريرالمجلة, وسمحت له بالتدخين للمرة الأولى أمامها, وظل إحسان رئيسا للتحرير من 1945إلى 1965لما جاء أحمد حمروش رئيسا لتحرير روزاليوسف, وتقررأن يتحول إحسان إلى كاتب متفرغ بمخصصاته المالية نفسها, ثم عين رئيسا لتحرير أخبار اليوم من 1966إلى 1974, إلا أنه تركها بعد نشر مقال لمصطفى أمين من دون علمه, واختير كاتبا متفرغا بجريدة الأهرام من 1974إلى 1975, ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام من مارس 1975 حتى مارس 1976, إلا أنه غادرها سريعا , وتذكر الروايات الشائعة أنه رفض الاستجابة لرغبة الرئيس أور السادات فى إغلاق مجلة “الطليعة” اليسارية التى كانت تصدر عن الأهرام, فضلا عن تصفية من كان السادات يسميهم فلول هيكل وأنابه, إلا أن الرئيس السادات كان له رواية أخرى ذكرها لأحمد بهاء الدين فى كتابه”واراتى مع السادات”, وهى أن إحسان “ضهره خفيف”, أى سريع الانزعاج ولاصبر له على الصراعات, وو يريد أن يتفرغ لكتابة الروايات للسينما, وهكذا تفرغ إحسان عبد القدوس لكتابة المقالات السياسية فى الأهرام, وعندما صدرت مجلة أكتوبر اختصها بمقاله ذائع الصيت” على مقهى فى الشارع السياسى”, والذى انتقل به لجريدة الوفد حتى ماقبل وفاته فى 12 يناير 1990 بوقت قليل.
لقد كتب إحسان عبد القدوس اكثر من ستمائة قصة ورواية, وقدمت السينما عددا كبيرا منها مثل:أنا حرة – فى بيتنا رجل – تائه بين السما والأرض- لاتتركنى وحدى – الخيط الرفيع – شىء فى صدرى – النظارةالسوداء – ونسيت أنى امرأة – لاأنام – النساء لهن أسنان بيضاء – آسف لم أعد استطع – سيدة فى خدمتك – عقلى وقلبى – زوجات ضائعات.
مايجرى فى السودان الآن يستدعى من الذاكرة المقدمات التى سبقت اغتصاب العراق, ومايحدث على الأراضى السودانية حاليا يتخطى الحالة السودانية بأسبابها وذرائعها بما هو أكثر خطرا على السودانيين أنفسهم ليشمل الأمة العربية فى إطار الأطماع الأمريكية-الإسرائيلية. سقط العراق فى 2003 بقصف أمريكى وبحلف استعمارى جديد تحت ذريعة نشر الديمقراطية وإسقاط النظام الديكتاتورى وعدالة توزيع الثروات, ومنح الحقوق للأقليات. نفس الأسباب تتكرر الآن فى السودان, ولكن قد تكون هذه الذرائع ظاهرية, أما الأسباب الأخرى ففتش عن الماء والنفط واليورانيوم والغذاء, فكل عنصر من هذه العناصر يدفع الاستعمار الجديد لخلق التوتر فى السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى