محمد محمود عيسى يكتب : لماذا يريدون إفشال مصر 6-6
يتحدث المواطن المصري كثيرا عن شكواه من قسوة الحياة وصعوبتها وارتفاع الأسعار وموجات الغلاء المتواصلة والمستمرة وإهمال الحكومة للمواطنين وعدم التفاتها إلى مطالبهم ودائما ما يردد ويقول إن الحكومة في واد والشعب في واد آخر وفيما يشبه المظلومية المستمرة الدائمة تجد الجميع بحق وبدون وجه حق يتشاكى ويتباكى من قسوة الحياة والغلاء والأسعار المرتفعة والحكومة الغائبة والغير موجودة والتي لا تنظر إلى المواطن بعين الرحمة والشفقة ومن المثير للسخرية والعجب أنك من الممكن أن تجلس في مكان ما وتجد أن من يرفعون أصواتهم بالشكوى هم الأغنياء والأثرياء ومن يقدرون بأريحية على مواجهة أعباء الحياة المالية والمعيشية بل والتغلب عليها بكل يسر وسهولة ولكنها فيروسات الشكوى التي أصبحت ملازمة للكثيرين من الشعب المصري الذي يعاني ويشتكي معه حق في شكواه أما الذي لا يعاني من شيء فلماذا يشتكي ؟ حتى أصبحت الشكوى الدائمة من كل شيء وأي شيء جزءا أصيلا من فكره ومن شخصيته بالإضافة إلى تأثره بمن يقودون ويتحكمون في توجهات العقل الجمعي المصري والذين يقودونه دائما في اتجاه الشكوى الدائمة والمستمرة من كل شيء وأي شيء المهم أن يكون هذا العقل الجمعي على وضعية الناقم دائما وفي حالة استعداد دائم وجاهز للاستثارة والحركة بفهم ووعي وبدون فهم ووعي ونحن هنا لا ننفي أن أسباب الشكوى موجودة وقائمة ومن الطبيعي أن تختلف الأراء والتوجهات بخصوص السياسات المالية والاقتصادية التي تدار بها التجارة والتحكم في الأسواق المصرية ولكن دعونا ننظر إلى بعض الممارسات التجارية والاقتصادية التي تحدث والتي تنعكس آثارها على الجميع .
انظر إلى الفوضى العارمة التي تضرب الأسواق والأخلاق من احتكار للسلع وزيادات مستمرة وغير منطقية وغير مبررة وممارسات تجارية منفلتة وانتشار سلوكيات الانتهازية والاحتكار ومحاولة التكسب على حساب احتياجات المواطنين وتكالب بعض فئات الشعب على بعضها البعض في بعض المهن العلمية والإنسانية والوظائف المالية كل هذه الأشياء تدفعنا إلى أن نتساءل اين ذهبت أخلاقيات وقيم المصريين في الوقوف بجانب بعضهم البعض في الأزمات والمحن والشدائد؟ يدفعنا إلى أن نتساءل ما الذي حدث للمصريين وجعلهم يتكالبون في الحصول على المكاسب المادية بأي وسيلة وبأي مكاسب دون النظر إلى مراعاة الظروف الاقتصادية التي تضرب العالم كله وتشمل بلادهم وتدفعهم إلى أن يقفوا مع بعضهم البعض في محاولة التخفيف من أثار هذه الأزمات الاقتصادية العالمية؟ يدفعنا إلى أن نتساءل كيف تبدلت أخلاق المصريين وسلوكياتهم من مؤازرة بعضهم البعض والوقوف بجانب بلادهم إلى المحاولات المستمرة بالتجارة بالأزمات وبحاجة المواطنين إلى السلع الاستهلاكية المختلفة؟ يدفعنا إلى أن نتساءل عن الأسباب التي حولت المصريين ودفعتهم إلى إخفاء السلع واحتكارها ورفع ثمنها وهي موجودة في المخازن منذ فترة طويلة وبأسعار مخفضة؟ يدفعنا إلى أن نتساءل كيف تحولت ممارسات الشعب المصري في البيع والشراء إلى ممارسات قاسية بشعة تبحث فقط عن الربح المادي السريع دون النظر إلى أية أبعاد اجتماعية أو أخلاقية أخرى؟ تدفعنا إلى أن نتساءل كيف تحولت بعض فئات الشعب المصري إلى حالات من الاستغلال والانتهازية حيث كل فئة تعمل في مجال أو تخصص معين تستغل الطبقة الأخرى التي تحتاج إليها دون الوقوف أو النظرة العامة إلى الأحوال العامة للبلد وللمواطنين حتى أصبح الشعب المصري يتاجر في بعضه البعض
هل هذه أخلاقيات الشعب المصري؟ هل هذه الإيجابية التي يجب أن يتحلى بها الجميع في مواجهة صعوبات الحياة؟ هل هذه قيم الدين وأخلاقيات الحياة ومبادئ الإنسانية؟ هل كل موظف في مكانه ومجاله أيا كان هذا المجال الذي يعمل فيه والوظيفة التي يؤديها حتى لو كان المجال ديني والوظيفة دينية ودعوية هل كل واحد من كل هؤلاء يؤدي عمله بضمير ومهارة وإتقان؟ هل كل واحد من كل هؤلاء على اختلاف وظائفهم وأعمالهم واختلاف مراكزهم الوظيفية يؤدي عمله كما ينبغي ولديه الرقابة الذاتية التي تمنعه من التقصير والخطأ والتهاون؟ هل المعلم الذي يشتكي من الغلاء وصعوبات الحياة والمشاكل التي تواجهه من الحكومة والبلد يؤدي عمله في مدرسته كما يؤديه في السنتر الذي يدرس فيه الدروس الخصوصية؟ هل الطبيب الذي لم يحاول أن يخفض من ثمن الكشف تماشيا مع ظروف الناس الاقتصادية والمتعاقد مع معمل التحاليل ومركز الأشعة والصيدلية التي يوجه إليها المرضى لصرف روشتات العلاج وشركات الأدوية التي يقوم بكتابة أدويتها فقط دون غيرها مقابل رحلات الصيف الفاخرة وحجوزات الفنادق الفارهة هل هذا الطبيب يشتكي من صعوبات الحياة والغلاء وينتقد الحكومة ورافض لسياسة الدولة في الداخل والخارج ويشتكي دائما من سلبية الحكم والحكومة بالله عليك أساله أين إيجابيتك أنت مع الحياة والناس والمرضى؟ ماذا فعلت أنت لتواجه به كل هذه الأخطاء والسلبيات الموجودة والتي لا ترضى عنها؟
هل رجل الدين تخلى عن روتين وظيفته من الحضور والغياب والتوقيع في الدفتر وشعر في قرارة نفسه أنه يؤدي رسالة دعوية لخدمة المجتمع والارتقاء به وتيقن تماما أنها رسالة خالصة صادقة بينه وبين ربه يجب أن يؤديها بمهارة وإتقان وإخلاص وإصلاح بعيدا عن الحضور والغياب والتوقيع في الدفاتر والتفتيش والرقابة الحكومية هل قام رجل الدين بأداء رسالته على هذا الوجه من العمل والاتقان والكفاءة والمهارة والاتقان؟ هل وظف رجل الدين وقته الكافي للقراءة والتثقيف ورفع مستواه العلمي والثقافي في علوم الدين والحياة وبعد كل ذلك انتقد الحكومة والسياسات والغلاء وإدارة الدولة؟
هل تخلص رجال الدين من الصراعات فيما بينهم على المناصب والألقاب الدينية ومساحات والنفوذ والسيطرة والدفاع عن الميراث القديم وتفرغوا لمجاراة الفكر العصري الحديث وفهم لغة وفكر الشباب بثقافته العالمية الجديدة والمنفتحة على كل روافد العالم والمنطلقة بسرعة كبيرة وطموحاته المتدفقة وأحلامه التي ليس لها حدود وفهمه الواسع العميق والذي يجب أن يجابه ويواجه بفكر مثله عصري حديث يقنعه ويسبقه بأدوات وأساليب واشكال عصرية حديثة.
هل استطاع كل صاحب وظيفة أو منصب ذو نفوذ ومكانة وسيطرة أن يتغلب على نفسه ويتعامل مع الجميع بعدالة وسواسية وأن جميع المواطنين غنيهم وفقيرهم كبيرهم وصغيرهم سواسية أمام القانون وأنه يؤدي رسالة ووظيفة وطنية خالصة؟
هل استطاع كل موظف أيا كان عمله وموقعه ووظيفته صغيرة أو كبيرة أن يتحلى بأخلاق وقيم العمل وأن يتأكد أن لديه واجبات وظيفية يجب أن يؤديها بإتقان وكفاء ومهارة وإخلاص بعيدا عن صراعه مع الغلاء والمعيشة وانتقاده للحكم والحكومة
إننا أمام مشكلة نفسية وأخلاقية واجتماعية كبيرة تظهر في تعاملنا مع غيرنا في المجتمع وتدفع كل واحد منا بأنانية مفرطة في أن يبحث عن راحته الشخصية ومكاسبه المادية البحتة حتى ولو كان بعيدا ومنفصلا عن المجتمع الذي يعيش فيه كما أن هناك سلوكيات وأخلاقيات وممارسات كثيرة كشفت سوءات المصريين عند تعاملهم في مجالات الوظيفة والعمل العام وحتى العمل الطبي والديني الأخلاقي والإنساني وفي تعاملهم في البيع والشراء وتكالبهم على تحقيق الثراء السريع والبحث عن المكاسب السريعة وتناسيهم لدورهم الوطني والأخلاقي في الوقوف بجانب بعضهم البعض وبجانب بلادهم وضرورة أن يتأكد كل واحد منهم أنه كما أن له حقوق عليه واجبات والتزامات يجب أن يؤديها على أفضل وجه . ونحن هنا أمام مشكلة وطنية وأخلاقية ومجتمعية خطيرة تهدد المجتمع مشكلة حقيقية يغلفها الخوف والفزع وعدم اللامبالاة والهروب من الواجبات وأداء المسؤوليات والإسراف في الشكوى والبكائيات المستمرة بحاجة أو بدون حاجة
كيف لنا أن نكون شاكين باكين نسجن أنفسنا في سجون الشكوى المستمرة من الغلاء والمشاكل والحكومة والحكم ونحن نعيش حالة من الانفصام التام بين أنفسنا وبين واقعنا الذي نعيش فيه وبين حقوقنا وواجباتنا. هل هذا المواطن بسلبيته وتقصيره يستطيع أن يتعايش مع آفاق وأحلام الجمهورية الجديدة؟ هل هذا المواطن بحالة الانفصال التي يعيشها بينه وبين مجتمعه جاهز ومستعد أن يكون مواطنا صالحا وعضوا نافعا من أعضاء الجمهورية الجديدة؟ هل هذا المواطن بتحايله على الواجب والقيم والدين والأخلاق مستعد للانطلاق واقتحام المستقبل مع الجمهورية الجديدة؟ هل هذا المواطن وبكل ما يحمل داخله من سلبية جاهز للوقوف بجانب الجمهورية الجديدة؟ هل هذا المواطن بصورته الضبابية المشوهة تجاه دولته وحكومته يصلح أن يكون عضوا إيجابيا ومفيدا في الجمهورية الجديدة؟ كل هذه الأسئلة تدفعنا إلى البحث عن القيم الأخلاقية والرسائل الإنسانية السامية لمهن تخلت عن هدفها ورسالتها ودورها مقابل البحث عن الثراء السريع تدفعنا إلى البحث عن المعنى الحقيقي والتطبيق العملي لمفهوم الوطن والمواطنة والانتماء تدفعنا إلى البحث عن صيغة وعلاقة جديدة بين المواطن وبين بلده واستبدال الشكوى الدائمة بحالة من الفهم والقناعة والرضا بدوره وأهميته ورسالته في الارتقاء بوطنه وبالجمهورية الجديدة