حازم البهواشي يكتب: وهل للحرب أخلاق؟!
لم يَعُدْ الاحتلالُ الصهيوني في حاجة إلى أن يُثبتَ همجيتَه أمامنا بعد أن وصل شهداءُ فلسطين في أقلَّ من شهر نحوَ تسعة آلاف، يُمثل الأطفالُ والنساءُ والشيوخ أكثرَ من نصف هذا العدد تقريبًا!! ولا يبادرني أحدٌ بالقول: إن حماس هي السبب؛ فمقاومةُ أصحاب الأرض للمغتصِب لا تحتاج تبريرًا، ولا وقتًا ولا استئذانًا، لكنَّ المجازرَ التي حدثت في جباليا وغيرها، تُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن هؤلاء الصهاينة لا علاقةَ لهم بتعاليمِ السماء، ولستُ أبالغُ إن قلتُ إن أفرادَ المقاومة قدَّموا مِثالًا راقيًا حضاريًّا عن أخلاق الحرب في الإسلام يُمكنك أن تلمَسَه في شهادة الأسيرة الإسرائيلية المُطلَق سراحُها السيدة (يوخفيد ليفشيتز)، التي صافحتْ أحدَ عناصرِ كتائبِ القسَّام عند إطلاق سراحها، وأعلنتْ أمامَ الجميع في وسائلِ الإعلام أن رجالَ القسَّام كانوا ودودين للغاية تجاههم، واعتنَوا بهم، وقدَّموا لهم الدواءَ والطعام، بعدما أخبروهم أنهم أناسٌ يؤمنون بالقرآن ولن يؤذوهم.
هذا الأمرُ جعلَ الأسيرةَ المُسِنَّةَ المفرجَ عنها عدوًّا لدعاية إسرائيل والغرب عمومًا، حتى إن قناة (مكان) الإسرائيلية نقلتْ عن مصادرَ إسرائيلية أن السماحَ لـ (ليفشيتز) بالإدلاء ببيانٍ مباشر كان خطأ!! ذلك أنها فضحت _ من حيث لا تدري _ كلَّ افتراءاتِ إسرائيلَ ومَن يُساندها!!
ولعلنا وسط هذه البشاعة التي نتابع تفاصيلها على مدار الساعة، نسترجع وصايا نبيِّ الرحمة _ صلى الله عليه وسلم _ إذ مِن المنطقي أن تُعامِلَ الناسَ بلِينٍ ورحمةٍ ورأفة في أوقات السِّلم، لكن حين يتعلقُ الأمرُ بحربٍ ونيرانٍ ودماءٍ وانفعالاتٍ وغضبٍ وحقد، تتوارى هذه الصفاتُ وما يُلَقَّاهَا مِنَ القادةِ والمُحاربين إِلا ذو حظٍّ عظيم! ومَن أعظمُ مِن النبي الموصوفِ بأنه على خُلقٍ عظيم؟! لقد ضبطَ الحربَ بأخلاق، وما شُرِعت الحربُ في الإسلام إلا لأهدافٍ محددة، فالأصلُ هو السِّلم، أما الحربُ فلا تكونُ إلا ضدَّ الطغاةِ والمُعتدين لا ضدَّ المُسالمين.
بدايةً، فإن القرآنَ الكريم جعلَ الإنفاق على الأسير ومساعدتَه مما يُثابُ عليه المسلم، وذلك بحُكم ضعفِ الأسير وانقطاعِه عن أهلِه وقومِه، وشدةِ حاجتِه للمساعدة، وقد قرَنَ القرآنُ بِـرَّ الأسير بِـبِـرِّ اليتامى والمساكين في سورةٍ اسمُها ( الإنسان )!! ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ” ( الإنسان _ 8 ).
أما نبيُّ الرحمة فكان إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سَرِيَّة، كان مما يقوله له:
_ “..ولا تقتلوا وليدًا..”(رواه مسلم) وفي رواية أبي داود: ” ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا، ولا صغيرًا، ولا امرأة..”.
_ (اُخرُجوا باسمِ اللَّهِ قاتِلوا في سبيلِ اللَّهِ مَن كفرَ باللَّهِ، ولا تعتَدوا، ولا تغلُّوا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتُلوا الوِلدانَ، ولا أصحابَ الصَّوامع) (رواه أحمد).
_ (مَن أمَّن رجلًا على دمِه ثم قتلَه فأنا بريءٌ من القاتل وإن كان المقتولُ كافرًا) (البخاري وغيره).
_ (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَة) (البخاري).(النُّهْبَى: أَخذ المرء ما ليس له جهارًا، والمُثْلَة: التنكيل بالمقتول، بقطع بعض أعضائه).
وجاء الخليفة الأول (أبو بكر) _ رضي الله عنه _ فكان مِن وصاياه لجنوده ألا يُفسدوا في الأرض، يقول في وصيته: (ولا تُغرقُن نخلًا ولا تُحرقُنها، ولا تَعقِروا بهيمة، ولا شجرةً تُثمر، ولا تهدِمُوا بَيْعَة).
إن العداوةَ في الإسلام لا تُبيح الفساد، فهو مرفوضٌ بشتى صوره، وأخلاقُ الإسلام لا تُلْغِي الشرفَ في الخصومة، أو العدلَ في المعاملة، أو الإنسانيةَ في القتال.