مقالات الرأى

احمد محمد صلاح يكتب : بنية العقل المصري

0:00

كان شبلي شميل يدرك جيدا حقيقة تلك القنبلة التي يفجرها في عقول الجميع ، حجرا قويا يلقي بدوره في البحيرة الراكدة، نافذة جديدة تفتح علي الجسد المحموم ، فيحذر في مقدمة الكتاب الذي ترجمه فلسفة النشوء والارتقاء فيقول ” طالع هذا الكتاب بكل تمعن ، ولا تطالعه الا بعد ان تطلق تفسك من اسر الأغراض لئلا تغم عليك نفسك وانت واقف تطل علي العالم من شرفة عقلك ، تتلمس الحقيقة من وراء ستارها ”
واذا حللنا كلمات شميل سنجده يحذر من وضع اساسات او احكام مسبقة قبل قراءة الكتاب، بل يطلب ان يحرر العقل ويطلق من عقاله ، نحو رحابة فكر جديد، قد لا يلائم موروث معين، او اساسات راسخة، فيكون مضمون الكتاب بالنسبة لعقل المتلقي شديد القوة والبأس
ويكمل شبلي شاميل ” واعلم ان الانسان علي راي هذا المذهب طبيعي ، وهو وكل مافيه مكتسب من الطبيعة، وهذه الحقيقة لم يبق الي الريب فيها اليوم ولو اصر علي انكارها من لايزال مفعول التعاليم القديمة راسخا في ذهنه رسوخ النقش في الحجر” .
طبع من كتاب فلسفة النشوء والارتقاء خمسمائة نسخة فقط، ولم تنفذ الا بعد خمسة عشر عاما واللغط كان بين خواص الخواصوالقلة المعدودة، فقاموا عليه لينفوه كله او بعضه كل علي قدر علمه او حسب هواه، اما العامة فسمعوا ان في هذا الكتاب مساسا بالدين ، فرفضوه ونبذوه، اما مؤيدو شبلي شميل وانصار افكاره فقد جبنوا ” ان صح التعبير” من ان يعلنوت رايهم ، ويقول شميل ” وعندما طالبتهم بان يؤيدوني بكتاباتهم في الجرائد خدمة لأمتهم ، احجموا ، فعلمت ان الحرية فيهم لم تتجاوز حد الفكر ولم تصل بهم الي القول به ” .
كانت عقلية شبلي شميل تميل الي المادية ، حتي انه استعان بالماديين العرب وعلي راسهم ابو العلاء المعري حتي انه بدأ كتابه ببيت شعر لبي العلاء يقول
يدفن بعضنا بعضا ويمشي واواخرنا علي هام الأوائل
كما استند في مجادلاته الي افكار بن خلدون عن التطور الاجتماعب والتغيرات المجتمعية ، واستطاع ان يترك اثرا بالغا في مثقفي عصره، بالرغم من قله توزيع كتابه، الا ان الكتاب كان بمثابه الحركة الفكرية لترس في ماكينة العقل العربي .
ولسنا هنالنفد فكر شبلي شميل ، والذي هوجم بسبب شطحاته الفكرية والسياسية ، ولكن يكفي لهذا الرجل انه استطاع ان يترجم ذلك الكتاب القنبلة ويتحمل وحده كل هذا اللغط حوله

زر الذهاب إلى الأعلى