هبه عبدالعزيز تكتب : الفلاكة

يقول المثل الهندى أن “الفقر يصنع لصوصا، كما يصنع الحب شعراء”، ولعله مثل يتوافق وسيكولوجية الشعب الهندى بنسبة كبيرة، ولعلى أتفق مع هذا المثل ولكن فى حدود محددة ، وأرد عليه كمصرية بالمثل المصرى الأصلى … ولكن يا عزيزى : “صوابعك مش زى بعضها”!!!.
الا أن للكاتب والفنان الكبير “مارك توين” قول يتحدث فيه عن الفقر أيضا ولكن من زاوية مختلفة، وهو ما أتفق فيه معه تماما ، وأتصور أعزائى الكرام أنكم ستتفقون معه ومعى كذلك حيث يقول بأن ” الأغنياء الذين يعتقدون الفقراء سعداء ليسوا أكثر غباء من الفقراء الذين يعتقدون أن الأغنياء سعداء”!.
وقد بدأت سطورى معكم هذا الأسبوع بالحديث عن (الفقر)، إستكمالا لما بقى عن تلك (اللعنة) التى كانت محور حديثنا فى كتاب “الفلاكة والمفلوكون” للمفكرالصعيدى العظيم “أحمد الدلجى”، الذى كتبه فى لحظه من لحظات التاريخ المصرى وصفت بأنها كانت من أغنى العصور على مستوى العمارة والادارة والتجارة، إلا أنها كانت من أبشع العصور كذلك من حيث إنتشار الأوبئة والمجاعات ، وقد عم فيها الإستخفاف بالقيم الإنسانية والأخلاقية والإستهتار بالأرواح والأرزاق مما جعلها بيئة مناسبة جدا لظهور” الفلاكة” وإنتشارها سواء على المستوي الشعبى أو على مستوى العلماء والأدباء والشعراء والفقهاء.
و عن تلك الفئة الأخيرة تحديدا ، فما أكثر المحن والمعاناة التى تعرضوا لها ، وما أكثر من ذاقوا مرارة الفقر والحرمان ، وما أكثر من تأذوا فى عقولهم وأجسادهم ونفوسهم وكرامتهم فى تلك الفترة من الزمان وفى نفس المكان.
فها هو الصوفى الجليل صاحب الحكمة البالغة “شهاب الدين السهر وردى” أوحد زمانه كما وصف فى التصوف، وقد بدى للعامة وسخ البدن والثوب، زرى الخلقة من شدة الفاقة والحاجة حتى أصبح مظهره (لا يسر عدو ولا حبيب) كما أعتدنا القول ، وقد بلغ ببعضهم الوقاحة و الفجر بإرجاع تلك الحال المرير إلى صفة الزهد التى قرر مولانا إنتهاجها، والتى فى حقيقة الأمر ليس لها علاقة بتلك الأوصاف لا من قريب ولا من بعيد إطلاقا ، وذلك كما أوضحت لكم فى المقال السابق ببعض مما أوضحه لنا “الدلجى” فى تفسير بعض الظواهرالخاصة بالعلماء والمبدعين والمندرجة تحت مسمى “غرابة الأطوار” أو تلك التى ترجمت فهم خاطىء لما وصلوا إليه من حال صعب ….و صعب على العقول العادية إستيعابة فحاولوا منطقتها بطريقة غير منطقية !.
وكذلك رأينا “أبو الحسن الربعى” العالم النحوى الكبير ، وقد فقد عقله ، يبصر كلبا فى الطريق فيهجم على الكلب ويعضه عضا شديدا!!!.
وأديب آخر أحمق ، كان إذا صام يحرص ألا يبلع ريقه مخافة أن يفطر!!!!!!
ورابع أصبح يتسم بالخبث والخديعة!
وهذا “ابن حزم”العالم والمفكر ينتهى به الحال من بعد مطاردة وتضييق إلى أن يموت وحيدا فى مكان موحش قاحل.
وكذلك “ياقوت الحموى”صاحب معجم البلدان ومعجم الأدباء وغيرها من أمهات الكتب …..تخيلوا يا سادة أنه عاش يقاسى الشدائد ويعانى من حالة التغرب.
وقد ساق لنا “الدلجى” الكثير من الأمثلة بالغة الدلالة من أدباء وشعراء وفقهاء تشردوا وذاقوا مرارة الفقر والحرمان والمهانة ، من خلال تعابير وجداية عميقة عبروا عنها ورفضوا من خلالها الواقع وتشوقوا فيها فى آلم ومعاناة وقلق إلى واقع آخر.
وحتى سطور آخرى نستكملها سويا حول كتاب الدلجى لكم منى كل الأمنيات بحياة كريمة تنعموا فيها بالسلام والعدل والحب والجمال.
ومضة :المال يستر رذيلة الأغنياء ، و الفقر يغطي فضيلة الفقراء.