حسن الشايب يكتب: فوضى تداول الأغذية في مصر (2)
عندما غنَّى المطرب الشعبي سعد الصغير أغنيته الغريبة (بحبك يا حمار) والتي أثارت الكثير من الجدل والانتقادات عند ظهورها قبل نحو 16 عامًا، ربما لم يكن يعلم أن هذا الحمار الذي خصًّه بأغنية تعبر كلماتها عن حبّه للحمار، وإنه “بيزعل أوي لما حد يقولك يا حمار”، سيأتي اليوم الذي تصبح فيه جميع الحمير مستهدفة بالذبح وسلخ جلودها لتصديرها إلى الصين لأغراض طبية، ثم التخلص من جثثها بالرمي العشوائي في المناطق الصحراوية أو النائية بعيدا عن أعين الناس والأجهزة المحلية والرقابية النائمة في العسل!في الحقيقة، كنت قد انتهيت من كتابة مقالي الثاني عن “فوضى تداول الأغذية في مصر”، استكمالا لما كتبته الأسبوع الماضي، عن هذه الظاهرة الخطيرة التي لا تتعامل معها الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها الرقابية بما تستحقه من اهتمام، إلا إن ما سمعته مصادفة بأحد البرامج بإحدى القنوات الفضائية، من العثور على قرابة مائة جثة حمار مسلوخة وملقاة بمنطقة صحراوية تابعة لمحافظة الفيوم، بعد انتشار فيديو حول هذه الواقعة بمواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعني للكتابة عن هذه الواقعة الغريبة والمتكررة ، والتي لا تبتعد كثيرا عن قضية فوضى تداول الأغذية وغياب القوانين الرادعة لمرتكبي مثل هذه المخالفات الخطيرة، خاصة مع ما طرحه م. عبدالرحمن الجباس نائب رئيس غرفة دباغة الجلود باتحاد الصناعات في مداخلته ببرنامج “صالة التحرير” الذي تقدمه الإعلامية الكبيرة عزة مصطفى على قناة صدى البلد، حيث قال: في ظل حالة الطمع يمكن لضعاف النفوس من تجار جلود الحمير أن يقولوا: وما المانع في بيع لحوم الحمير ؟!! ، وهذا ليس بأمر مستبعد طالما إن هناك تجارا جشعين لا ضمير لهم، وأصحاب مطاعم لا يقلُّون جشعًا وطمعًا وحبًّا للمال الحرام، الذي يُعمي بصرهم وبصيرتهم، ويميت قلوبهم وضمائرهم، وهذا الحديث يذكِّرني ببائع كباب وكفتة كان يمارس نشاطه بالقرب من مقر عملي السابق بجريدة الجمهورية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكنت وبعض زملائي نعطي عم أمين “الفراش” بضعة جنيهات قليلة ونقول له مازحين: هات لنا سندوتشات من الكلابجي!! ، فعلى ما أذكر كان سعر سندوتش الكباب والكفتة وقتها بجنيهين أو ربما أقل، أما الآن فقد وصل سعر سندوتش الفول أو الفلافل في مطعم شعبي معروف (8) جنيهات وسعر السندوتش “الديناميت” عشرون جنيها. أي والله عشرون جنيها ثمن سندوتش واحد يحتوي على قرص فلافل وبطاطس وبيض وباذنجان، ولا أدري سبب تسميته بالديناميت؟!، هل لأنه يدمر جيوب الناس الغلابة الذين لا حول لهم ولا قوة في ظل الغلاء الفاحش لجميع أنواع المواد الغذائية ومن بينها طعام الفقراء الذين تم وضعهم بين مطرقة التجار والبائعين الجشعين، وبين سندان الفقر والعوز وضيق ذات اليد.
وعودة لموضوع الحمير التي عثروا على جثثها في إحدى مناطق محافظة الفيوم مؤخرا، فقد ذكر د. محمد التوني معاون محافظ الفيوم والمتحدث الرسمي، في حديث لبرنامج صالة التحرير، إن محافظ الفيوم د. أحمد الأنصاري وجَّه بنزول الرقابة والأجهزة المحلية إلى المجمعات والمحلات الموجودة بالمحافظة للتأكد من عدم وجود لحوم حمير بين اللحوم المعروضة للبيع وأفاد بأنهم لم يجدوا شيئا، وأسأل السيد المحافظ ومعاونه: هل تجار الحمير الذين سلخوا جلودها لتصديرها بطرق غير شرعية إلى الصين، سيقومون بكل بساطة وغباء بالتعامل مع مجمعات ومحلات معروفة لعرض لحوم الحمير جهارا نهارا أما أعين الناس؟! أم إنهم سيلجأون إلى طرق ملتوية وغير شرعية من خلال مصانع تحت بئر السلم تقوم بفرم وخلط هذه اللحوم مع لحوم وشحوم أخرى طبيعية مع إضافة البهارات والملونات التي تخفي معالمها وربما تزيد مذاقها طعمًا أجمل لا يكتشفه أبرع متذوق للطعام حتى تظهر عليه فيما بعد بعض التغييرات في نبرات صوته فتجده “ينهّق” وهو يتحدث!.
ولا أدري إلى متى استمرار الفوضى والاستهتار بالقوانين في مصر المحروسة؟ كيف يتم التهاون في مثل هذا القضايا الخطيرة، والتي قال معاون محافظ الفيوم إنها ليست المرة الأولى التي يعثر فيها على جثث حمير منزوعة الجلد، وإنما تحدث للمرة الثالثة في هذه المحافظة، فما بالنا بـ 26 محافظة أخرى بمختلف أنحاء البلاد؟!
ويعزي المتخصصون هذه الظاهرة إلى ارتفاع ثمن جلد الحمار الذي هو أغلى من كل جلود الحيوانات كالبقر والجاموس ويتراوح من 1000 إلى 1200 جنيه، حيث يتم تمليح الجلود وتصديرها للصين لاستخراج أدوية وعقاقير بتكنولوجيا متطورة، كما قال نائب رئيس غرفة دباغة الجلود باتحاد الصناعات الذي يرى إن هذه الظاهرة متصاعدة، رغم الإجراءات المتخذة بتصدير نسبة معينة من جلود الحمير، حفاظا على الثروة الحيوانية ولكي لا تتسبب هذه الظاهرة في تناقص أو القضاء على سلالة الحمير المصرية.
وإلى أن تستيقظ الجهات المحلية والرقابية من غفوتها وتضع القوانين والإجراءات الرادعة لفرض هيبة الدولة واحترام الجميع للقوانين، مثلما هو الحال في معظم دول العالم المتحضرة، ليس أمامنا كمواطنين غير الحذر كل الحذر من شراء وتناول أغذية مجهولة المصدر أو مقلدة أو مغشوشة، وأن يكون لنا كشعب دور في كشف والإبلاغ عن أي جرائم أو مخالفات تُرتكب أمام أعيننا ونحن صامتون وغير مبالين بما يدور حولنا، فالمؤكد إن دور المواطن هام وأساسي في الحد من الممارسات السلبية التي تضر بالصحة والسلامة العامة للمجتمع .. وللحديث بقية إن شاء الله.