مقالات الرأى

دكتور عماد عبد البديع يكتب: ( عبادة الصمت الفضيلة الغائبة ! )

0:00

الصمت لغة مشتركة يفهمها كل شعوب الأرض. الصمت لغة بليغة تحمل معان ودلالات مختلفة حسب الموقف؛ فالصمت عند الانتصار تواضع، والصمت عند الهزيمة انتصار، والصمت عند الغضب قوة . ومع اختلاف الكثيرين حول مدلولات الصمت الا أن الجميع يتفق على قيمة وقوة الصمت.

والصمت فضيله دينيه ذات أهمية كبيرة، ولذلك اوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد اصحابه قائلا: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ولتبكي على خطيئتك. وقال الامام علي ابن أبي طالب: أفضل العباده الصمت وانتظار الفرج. . وقال أحد الصالحين: أمر انا في طلبه منذ عشرون سنة، لم اقدر عليه، ولست بتارك طلبه ابدا. قالوا: وما هو؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. وكما قيل فلا تنطق بالكلام إلا إذا كان كلامك خير من صمتك، وإذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.

ولا يخفى علينا فوائد الصمت الجمة؛ فقيل في الصمت نجاة، فمن كثر كلامه كثر سقطه. وقلة المنطق تلقي الحكمة، فقيل ان الحكمه عشرة اجزاء تسعه منها في الصمت. وقيل في فوائد الصمت أنه زينه من غير حلي وهيبة من غير سلطان. والصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك ابدا.

ولكن هل يرقى الصمت إلى درجة العبادة؟ نعم فالصمت عبادة من أعظم العبادات والتي ترقى إلى عبادة الصوم! فحين دارت الأحاديث حول السيدة مريم العذراء ووجهت إليها التهم لجأت إلى عبادة الصمت فقالت: أنها نذرت إلى الله صوما فإن تكلم أحدا وفوضت أمرها إلى الله، فجاءها الرد على لسان وليدها الذي انطقه الله في المهد بأنه معجزة من الله ورسولا نبيا… والصمت دليل كرامة ومعجزة من الله سبحانه وتعالى، فقد كان معجزة سيدنا زكريا عليه السلام حينما رزقه الله على كبر في السن بغلام يرث النبوة منه ومن ال يعقوب عليه السلام، وكان دليل ذلك وعلامته هو صمت سيدنا زكريا عن الكلام مع الناس لمدة ثلاثة أيام رغم عدم وجود عطب بلسانه !

لا غنى عن الصمت، فهو سبيل العارفين والمتصوفين بالتواصل والتأمل في مخلوقات الله الشاهدة على وحدانيته وقدرته سبحانه وتعالى. وهو درب الفلاسفه والحكماء في التأمل في ظواهر الطبيعة واستكشاف حقيقه الاشياء… في أحيان كثيره نحتاج إلى الصمت للتواصل مع ذواتنا ونحتاج للحظات من الهدوء، بل ونحتاج الى البعد عن الضجيج وعن الزخم لالتقاط الأنفاس والصمت التام حتى نستمع إلى صوتنا الداخلي …
لماذا لا نمارس فضيلة الصمت في حياتنا اليوميه؟ فليصمت الذين لا يعرفون ويتكلمون بغير علم ويفسحوا المجال لمن يعرفون. فليصمت الذين ينساقون وراء الشائعات ويروجون للأخبار الكاذبة والهدامة على مواقع التواصل وفي حياتنا اليوميه دون محاوله للتاكد او التحقق من صحه المعلومة. فليصمت الذين يروجون للباطل أو الاكازيب وما أكثرهم في عالمنا المعاصر… وصدق القائل إذ يقول: ندمت على السكوت مرة وندمت على الكلام الف مرة.

زر الذهاب إلى الأعلى