راندا الهادي تكتب : صباح جديد

أنا أعمل براديو إخباري في المقام الأول ، ومن باب التعود عندما أصحو كل صباح أحتاج للإلمام بما فاتني من أحداث سياسية خلال فترة نومي ، لماذا أقول التعود ؟ لأنني عملت كمحرر مترجم قبل التحاقي بكادر المذيعين في الإذاعة المصرية العريقة ، فكان من أساسيات العمل عند استلامك نوبة العمل الخاصة بك كمحرر مراجعة ما يُسمى وقتها ( بالتيكرز) وهو مصطلح يطلق على الأخبار التي أرسلتها الوكالات المختلفة قبل نوبة عملك لتبدأ من حيث انتهى الآخرون ، ويتحقق الإلمام الكامل بتطورات الأحداث .
ظلت هذه العادة معي حتى الآن ، كل صباح أفتح الموبايل الخاص بي على تطبيق لإحدى الإذاعات الإخبارية ذات التمويل الخليجي لأتابع النشرات والتغطيات الإخبارية .
الصادم لي وأنا استمع كان برنامجها الصباحي والمسمى ( صباح جديد) يتحدث في موضوعه الرئيسي عن (الاحتفال) باليوم العالمي للجوع ؛ لماذا وضعت كلمة الاحتفال بين قوسين ؟ لأنها سقطة تحريرية من العاملين على إعداد هذا الفقرة من البرنامج ، كيف نحتفل بالجوع يا سادة ؟!!، الأصوب أن نقول تاريخ اليوم يوافق اليوم العالمي للجوع ، هكذا بكل بساطة ونبدأ في التطرق لجوانب الموضوع في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة ، خاصة وأن هذه الوسيلة الإعلامية جمهورها المستهدف هو الجمهور العربي ، هذا أولًا.
ثانيًا كان كارثة بكل المقاييس ، حيث استهل المذيع والمذيعة مقدما البرنامج الحديث بمخاطر الجوع الجسدية وكيف أنه قد يؤدي لعواقب نفسية وخيمة ، ثم تقديم التشكرات في أننا بالبلاد العربية لا نعاني من الجوع ، بل نعاني من السمنة ونجري دوما وراء صرعات الريچيم وإنقاص الوزن ، وضحكة هنا وخفة دم هناك وانتهت الفقرة التقديمية .
هنا تجمدت الدماء في عروقي ، كيف لا تستغل مثل هذه المحطة الإخبارية هذه المناسبة لتسليط الضوء على المجاعة التي يعاني منها أهلنا في قطاع غزة ، واستخدام الاحتلال سياسة التجويع لإجبارهم على الهجرة القسرية من وطنهم ، والمشاهد الدامية لآلاف المواطنين الفلسطينيين وهم يجرون وراء المساعدات التي يوزعها الاحتلال بشكل مهين عن قصد للعرب قبل الفلسطينيين ، وهي المشاهد التي تصدرت صفحات السوشيال ميديا والمواقع الإخبارية العالمية ، وكأننا نحسب مليون حساب لمشاعر الأب الروحي للصهيونية ، كيف لا ؟ وقد خرجت علينا تلك الدولة الممولة للمحطة منذ أيام ليست ببعيدة منددة بحادث الهجوم على السفارة الصهيونية في واشنطن ، والتي لقي فيها شخصان مصرعهما .
لم يزد من بلادة ووقاحة هذا المشهد سوى الحوار الذي أجرته مذيعة البرنامج و زميلة أخرى لها مع ضيفة متخصصة وذكرهما على استحياء غزة وكأنها تقع في كوكب آخر ، وهل المنظمات الدولية تقوم بدورها على أكمل وجه ؟!! لتنفث السم في العسل وتساند المحتل في اتهاماته لمنظمات العمل الإنساني الدولية بأنها منظمات تدعم الإرهاب ولا تقوم بدورها الإغاثي .
وهنا أهدي هذه الأبيات لفريق عمل البرنامج من قصيدة الشاعر العراقي صفي الدين الحلي :
إن كنت ماتدري فتلك مصيبة…
أو كنت تدري فالمصيبة أعظ