مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب : (قامات مصرية) محمود باشا الفلكى – 1

إذا كانت الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبع ، فإن تحديد عمرها والغرض من إنشائها من خلال علم الفلك ، فهو إنجاز عظيم لعالم الفلك المصرى محمود الفلكى رائد الفلك الأثرى، إذ ربط الظواهر والشواهد الفلكية والمعالم الأثرية على نحو غير مسبوق .
وبعد إجراء مقارنة بين التقاويم الثلاثة الميلادى والهجرى والقبطى ، أصبح التقويم الميلادى السائد فى مصر .
تعلم محمود حمدى ( لقب فيما بعد بالفلكى ) المولود سنة 1814م ، فى كتاب قرية الحصة بالغربية ، ثم التحق بالترسانة الحرية بالأسكندرية وأتمم دراسته بمدرسة المهندسخانة وكان أول دفعته ، فعين مدرسا للجبر بها 1839م وخلال تلك الفترة ترجم عن الفرنسية التى أتقنها كتاب للتفاضل والتكامل ليكون أول كتاب باللغة العربية .
نظرا لنبوغه رشحه على باشا مبارك للسفر إلى باريس لدراسة الرياضيات وعلوم الفلك لغرض إنشاء مرصد فى مصر ، اتخذ الفلكى المرصد الفرنسى مقرا لأبحاثه واتخده مدير المرصد مساعدا له وخلال تسع سنوات قدم العديد من الدراسات المهمة للمجمع العلمى الفرنسى .
بعد عودته إلى مصر 1859م وحصوله على رتبة الأميرالاى وتعنى حصوله على لقب “باشا” كلفه سعيد باشا والى مصر بوضع خريطة مفصلة للقطر المصرى ، فكون فريق عمل من شباب المهندسين لإجراء مسح شامل للقطر المصرى برفع كل شبر من أرض مصر وتحديد ارتفاعه وطبيعة التربة وقياس مغناطيسية الأرض به وتحديد الموارد المائية وطبيعتها وأماكن أفرع النيل القديمة التى جفت ثم وضع خريطة مفصلة للمدن والقرى المصرية ، استغرق هذا العمل عشر سنوات .
اكتسب محمود حمدى لقب الفلكى بعد أن وضع التقاويم السنوية ، فوضع أول تقويم سنة 1264 هجرية وفيه مقارنه بين التاريخ الهجرى والقبطى والميلادى بين فيه مواقع الشمس والقمر فى تلك السنة ، وبالمناسبة هو من وضع التقويم الميلادى ليكون المتبع فى مصر بدلا من التقويم القبطى بعد أن أصدر الخديو إسماعيل سنة 1876م قرارا بذلك لمواكبة مصر للعالم الأوروبى .
طلبت اكاديمية العلوم بفرنسا من محمود الفلكى بالمشاركة فى عملية رصد كسوف الشمس يوم 18 يوليو 1860م حيث تقوم بعثات علمية برصده والممتد من كاليفورنيا بأمريكا وحتى الحبشة . توجه الفلكى إلى دنقلة بالسودان لمدة عشرة أيام على ظهر الجمال ،ورغم صعوبة الرحلة إلا أنه قام برفع المنطقة وعمل أول خريطة علمية لها ،وقياس معناطيسية كل بقعة مر بها ، وانتهز فرصة وجوده فى السودان فقام بتحديد المواقع الفلكية على النيل ، حاز التقرير الذى قدمه للأكاديمية على تقدير العلماء وجاء به ( أن الجنس الذى نقل علوم القدماء إلى الغرب لم يعتريه ضعف أو وهن ) .
يحسب للفلكى قيامة بتخطيط معالم الأسكندرية القديمة وتحديد موقع سورها القديم وفى رسالة بالفرنسية طبعها 1866م بين فيها أسوار المدينة وشوارعها ومسارحها ومكتبتها وذلك لأول مرة بناء على ما قام به من عمليات الحفر والتنقيب مما أعطى للرسالة قيمة عالية ، ووضع خريطة للأسكندرية القديمة أدق مما وضعتة الحملة الفرنسية فكانت مرجعا لعلماء أوروبا فى أبحاثهم .
ومن أجمل أعماله دراسته حول عمر الأهرامات والغرض من تشييدها بعد أن كلفته الحكومة المصرية بذلك ، حيث قضى ثلاث ليال بجوار الهرم الأكبر فى وقت الإعتدال الربيعى فى شهر مارس وأثبت أن جميع أوجه الهرم تميل على الأفق بمقدار 5 . 52 درجة وأن كوكب الشعرى فى ذروته يسقط ضوءه عموديا على الوجه الجنوبى للهرم ليخترق فتحة التهوية فيضيئ وجه الفرعون داخل حجرة الدفن ولم يتم البناء بشكل عفوى بل لأسباب عقائدية حيث يمثل كوكب الشعرى الإله أوزوريس رئيس محكمة الآخرة وبنزول ضوءه على وجه الفرعون تعنى الرحمة . وفى 11 مايو 1863م حدد أن بناء الهرم يرجع إلى 52 قرنا ولم تختلف النتيجة كثيرا عما قاله علماء آخرين .
إلى جانب إنجازاته الكثيرة أنشأ مدفع الظهر بالقلعة ،وعلى سطح منزله أمام الميدان المعروف باسمه (ميدان الفلكى) أقام مزولة وفيها لتحديد الظهر والعصر وبها تحديد للنصف الساعة و ظلت موجودة حتى وفاته 1885م .
أصبحت دراسته الخاصة بفيضان النيل والتنبوء بفيضانه أساسا لتقديرات الرى فى مصر ،كما أسس المرصد الفلكى (هيئة الأرصاد الجوية ) وكان بالعباسية وعين رئيسا له ،شغل عدة مناصب فكان وزيرا للأشغال ووزيرا للمعارف إلى جانب رئاسته للجمعية الجعرافية حتى وفاته . أهدت إبنته مكتبته القيمة بما فيها من نفائس الكتب والخرائط والمخطوطات إلى الحكومة المصرية سنة 1929م .

زر الذهاب إلى الأعلى