د. سوزان القليني تكتب: الباز أفندي ومنظومة عدم السعادة
(الباز أفندي) ساقط توجيهية ووكيل أعمال وسمسار مراكب وقباني وبالعكس، والقباني هو الوزّان وكان المثل القديم يقول (ميخافش من الوزّان إلا أبو كيل ناقص).
في اللغة العربية القبان هو من يزن بالميزان والقّبان هو الميزان ذو الذراع الطويل، وكان القباني قديماً يوظفه البنك التعاوني لاستلام ووزن المحصول من الفلاحين من المزارعين للقطن والأرز والقمح، وكان ذلك يتم في مجمع خاص في كل قرية ويكون هذا القباني حاصل على شهادة قباني من البنك.
الباز أفندي هو موظف كل العصور أبرزته السينما المصرية في فيلم ابن حميدو ببراعة شديدة فهو الموظف العالم ببواطن الأمور القارئ الفاهم (الشهر العقاري المتنقل) كما وصفه عبد الفتاح القصري في فيلم ابن حميدو والذي يعطيه من حوله أهمية أكبر مما يستحق، مما يزيد ثقته في نفسه ويعتقد أنه الوحيد الآمر الناهي، وينتهي الأمر إلي تقمص دور صاحب المؤسسة نفسه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء دون رقيب أو حسيب لأنه الوحيد الذي يتعامل مع العملاء بشكل مباشر.
ولأن أبواب رؤساء المؤسسات دائما ما يصعب اختراقها سواء لطلب أو شكوى لذا يتحول الباز أفندي دون أن يدري وبفعل المسؤولين أنفسهم المُغلقين للأبواب إلى صاحب المكان المتخذ القرار، حتى لو أضر هذا القرار بسمعة أو مصلحة المؤسسة.
الباز أفندي كان ناجحاً بكل مقاييس عصره، حتى لو كان في الحقيقة مهرب، كان شديد الوجاهة يرتدي البدلة والكرافت (التي ترد الروح) كما قال القصري في الفيلم ويتنقل بأفخر أنواع المواصلات في هذا العصر في السويس وهي (البسكلتة) مما أعطاه حيثية وأهمية كبرى لدى سكان القرية.
لكن ما هي المواصفات التي يتمتع بها الباز أفندي في هذا الزمان؟ الذي يجعله يتعامل مع العملاء المؤسسة بهذه الفوقية والتعدي أحياناً وأحياناً أخرى برفع الصوت وقد تصل الأمور إلى السب حتى أصبحت الجملة الشهيرة الموجهة للجمهور (مفيش غير كدة إذا كان عجبك) وللأسف هذا يحدث في المؤسسات الحكومية والخاصة على السواء والتي من المفترض أنها تقوم علي رضا العملاء.
إن منظومة النجاح في أي مكان تبدأ بصغار الموظفين من يقف في استقبالك على الباب ليرشدك ويوجهك الي غايتك والموظف الذي ينهي إجراءاتك بابتسامة تشعرك بالرضا على إنجاز معاملتك.
الفشل الذي تحظي به المؤسسات يرجع في المقام الأول إلى سوء التعامل من الموظفين وفقدهم إلى مهارات التواصل، لا يكفي أن تهتم المؤسسات باختيار موظفي المبيعات شكلاً ومضموناً إنما أيضا لابد من الحرص الشديد على اختيار النوعية التي تقدم الخدمات إلى الجمهور المتعامل ليبدأ الإصلاح الحقيقي في البشر وفي أسلوب التعامل ولن يحدث هذا إلا بمتابعة مستمرة لأسلوب أداء الموظفين وفتح الأبواب المغلقة للمسؤولين.
أخيراً: هناك دول أنشأت وزارات لإسعاد المتعاملين فمتي نطبق منظومة الإسعاد التي هي أساس النجاح؟