مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: نوال عمر

0:00

ليس كلُّ مَن يَمُرُّ بالحياة يكونُ صاحبَ هدفٍ ورؤيةٍ ويتركُ أثرًا، وليس كلُّ صاحبِ أثرٍ يكون إيجابيًّا، ففي الحياة من خُلِقَ للعطاء ولا يستريح إلا إذا فاض خيرُه وعمَّ أثرُه، يَمُدُّ يدَ العون قبل أن يَطلبَ أحد، ويَظلُّ يعملُ بلا كللٍ ولا ملل وكأنه يُسابق الزمن.

مِن بين هؤلاء الذين أسعدني القدر بمقابلتهم وأنا في المرحلة الثانوية أستاذة الإعلام المرموقة الرائدة الدكتورة “نوال عمر” (توفيت في الثالث من مارس عام 2003م) مؤسسة قسم الإعلام بجامعتي الزقازيق وبنها.

تبدأ الحكاية حين اقترحتْ الغالية الأستاذة “نادية البحار” مسؤولة الصحافة والإذاعة _ أطال الله عمرها في صحة وعافية _ أن يذهب وفدٌ من جماعة الصحافة المدرسية لإجراء مقابلة صحفية لمجلة (الحياة) مجلة مدرستنا (سنباط الثانوية المشتركة)، مع “د/ نوال عمر” مؤسسة ورئيس قسم الإعلام بجامعة الزقازيق، قلتُ في نفسي: وهل تقبل الأستاذة الجامعية المرموقة أن تُقابلَ طلبةَ مدرسةٍ ثانوية؟! لكنَّ المفاجأة أنها قبِلتْ!! واستقبلتنا _ رغم شخصيتها القوية _ بحنوِّ مَن يَعرف أن الطلبة في مثل هذه السن لا بد وأن يكونوا بلا خبرة، ولكنهم لا ينقصهم الحماس، وكان الحوار الذي أعددتُ له جيدًا بمساعدة أخي الأكبر صاحب الفضل الكبير “مهندس/ ياسر اليهواشي”، وشاركتني فيه الأخت الغالية والجارة العزيزة (منى فتحي الصو)، والزميلة العزيزة (إيمان حلمي الشال).

من بين الأسئلة التي أعددتُها لهذا الحوار _ الذي أجريناه فيما أتذكر في شتاء عام 1993م _: هل السياسة الإعلامية في مصر تتبع سياسة الصراحة أم التعتيم؟! وهل يمكن أن يكون لدينا في مصر في هذا التوقيت وسائل إعلام خاصة؟! كما سألناها عن الحياة الأدبية، وعن كليات الإعلام ودورها في التواصل مع المواطنين للتعرف على مشكلاتهم، وعن دور الإعلام في مكافحة السلوكيات الخاطئة للمواطنين.

قدّمتْ لنا “د/ نوال عمر” في هذا الحوار _ الذي وصفتُه بأنه أكثر لقاءاتنا متعةً وثراءً _ رؤيتَها للصحافة المدرسية، ونصيحتَها لطلبة الثانوية العامة، وأهم مواصفات رجل الإعلام الناجح، حيث قالت: (إنها تتمثل في سهولة الأسلوب وسلاسته، وفي الإبداع والثقة، وعدم استغلال الصحافة كتجارة للشهرة). وكان من بين كلماتها: (إن الإبداع والإتقان والابتكار والموهبة هي أفضل وسيلة لإثبات الشخص لذاته). وحين ذهبتُ لأعطيها نسخةً من المجلة _ عند صدورها _ مُقدمًا معها شكرنا العميق، نظرت إلى عنوان موضوعها الذي عنونتُه: (الكُتَّاب الكبار سببُ ضعفِ الحياةِ الأدبية) في تصريحٍ على لسانها!! فأُعجبت به وابتسمت، وقالت لي: (إذا أردتَ أن تُجريَ حوارًا صحفيًّا مع أيٍّ من الكُتَّاب الكبار في القاهرة، فأخبرني وأنا آخذ لك موعدًا معه)!!

تدور الأيام والسنون ويجد طالب الثانوي _ الذي جلس يحاور الأستاذة _ يجد نفسَه مدعوًّا بعد نحو واحدٍ وثلاثين عامًا ليتشرف بتقديم حفل توزيع جوائز المسابقة التي تحمل اسم الدكتورة “نوال عمر” والتي تنظمها مؤسسة الأهرام بالتعاون مع نقابة الصحفيين، ولعامين متتاليين ( 2024م و 2025م ) أشرف بهذا الأمر بدعوة كريمة من الأخ الفاضل الصديق الكريم الأستاذ “هشام الزيني” نجل الراحلة الكريمة ورئيس تحرير (الأهرام أوتو). وفي الاحتفالية تستمع إلى الكبار الذين تتلمذوا على يد الأستاذة، فتدرك السر وراء أنها لا تزال تحيا بيننا حتى الآن رغم مرور اثنين وعشرين عامًا على رحيلها جسدًا.

وبمثل هذه الأحداث ينبئك القدر أنه عليك أن تسعى، وليس عليك أن تشغل بالك بالنتيجة أو أن تقلق بشأنها، فللكون مُدبرٌ عليمٌ حكيم.

زر الذهاب إلى الأعلى