حازم البهواشي يكتب: (محمود فهمي حجازي)
أستاذٌ من طرازٍ فريد، لتعرِفَه وتُذكِّرَ به لا ينبغي أن تنتظرَ تاريخ ميلادٍ أو وفاة، فهو نموذجٌ للرجل الدقيق العَمَلِيّ مُحب اللغة دون تعقيدات، نموذجٌ لمن يستطيع أن يقودَ عملًا جماعيًّا وهو ما نفتقده، إذ ينجح معظمُنا فرديًّا، لكننا نفشَل في العمل الجماعي!!
محمود فهمي حجازي ( يناير 1940م : 11 ديسمبر 2019م ) هو أستاذُ علم اللغة بكلية الآداب جامعة القاهرة الذي تخرج في الثامنة عشرة من عمره ( 1958م )!! وحصل على الدكتوراه من ألمانيا في الخامسة والعشرين ( 1965م )!! فلا غرابة إذن أن يكون صاحبَ أول مُعجم ألماني عربي، وهو الذي يجيد الألمانية كالعربية وكذلك الإنجليزية والفرنسية واللغات السامية!!
في قاعة الدرس سأله أحدُ زملائنا: سمعنا أنك تجيد تسع لغات، فهل هذا صحيح؟! كانت إجابة الأستاذ: (أكثر من ذلك، فأنا بطبيعة الحال أجيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ومجموعة من لغات جنوب شرق آسيا، فضلًا عن اللغات السامية كالعبرية، ومعظم قواعد لغات العالم)!!
في قاعة الدرس، كان “محمود فهمي حجازي” يتفق معك على نظام الامتحان في أول محاضرة، لتتفرغ للدرس والبحث ولا تحمل همَّ الامتحان، يكلفك ببحث تنشغل به، وكلما قابلك عائق، تعود إليه في المحاضرة فيشرح ويوضح ويزيل ما التبس، فيستفيد الجميع، ويأتيك الامتحان ليقيس ما اكتسبته من مهارات اللغة لا ليقيس ما حفظته!!
في قاعة الدرس كان يعطيك دروسًا في الحياة، أذكر منها في المحاضرة الثانية في الفرقة الثانية في مادة علم الأصوات: (إن العِلْمَ أساسًا قيمةٌ أخلاقية، فلا قيمةَ للعِلْم بدونِ الأخلاق).
يقول الأستاذ: (في الحياة العملية، ربما يعطيك عملُك المال أو الشهرة أو المنصب، أو كل ذلك، أو لا شيء من ذلك، فحتى لا تخسر ينبغي ألا تنسى وجهَ الله في عملك).
في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية ( 18 ديسمبر من كل عام )، وفي أحضان كلية الآداب العريقة سمعتُ معلومةً جديدة ربما سمعها كثيرون لأول مرة من أستاذنا (الدكتور/ عبد الله التطاوي) الذي قال: (إن الدكتور/ حجازي، هو الذي كتب المذكرة التي عُرضت على الأمم المتحدة لجعل اللغة العربية من لغاتها المعترف بها، ود/ عبد الله خورشيد البَرّي (أستاذ الدراسات الإسلامية والأدب المصري بكلية الألسن _ توفي عام 1990م) هو الذي كتب المذكرة التي عضَّدت من المذكرة الأولى التي كتبها د/ حجازي).
لستُ أكتب سيرةً ذاتيةً للأستاذ، لكنني لا يمكن أن أتجاهل أن يقرأ من لا يعرفه من غير المتخصصين أنه كان رئيس قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، وهو عضو مجمع اللغة العربية، والمجمع العلمي المصرى، والرئيس المؤسس للجامعة المصرية في كازاخستان، كما تولى رئاسة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وأنه واحدٌ ممن ساهموا في تطوير التعليم بماليزيا.
سمعتُ أستاذي يقول: (كنا نرسم لهم خطةً لتطوير التعليم ونضع فترة زمنية معينة لإنجاز ما طلبناه، لكننا كنا نُفاجَأ بأنهم يُنجزون ما نطلبه في وقتٍ أقلَّ بكثير)!! رحم الله الأستاذ الدكتور/ (محمود فهمي حجازي).