
سؤال مازلت أسأله لنفسي منذ أن كنت صغيرة ، وهو العلاقة المميزة التي صيغت في بلادنا بين الكحك والفرحة ، وفي الوقت نفسه بين الكحك والفشل .
لعل الشعب المصري هو الشعب الوحيد الذي استدعى كلمة كحكة ليشير بها إلى الطالب الفاشل الذي يرسب في مادة ما ، وكذلك هو الشعب الوحيد الذي ربط الكحك بفرحة العيد منذ مئات السنين .
لا بأس فنحن شعب المتناقضات ، نوزع القرص وسط الأموات ، ونحيي الليالي ونقيم الموالد للأولياء ، ونطلق الأسماء الغريبة على أطفالنا ، ضمانًا لحياة طويلة سعيدة أو لإبعاد العين الخبيثة عنهم ، ومن الأسئلة التي حيرتني أيضًا منذ الصغر :لماذا الكحك مستدير وليس مستطيل أو مربع ؟ ، ما هذه السيطرة للدائرة على معظم الحلويات عندنا ؟ بداية من الكحك ومرورًا بالبيتيفور و الغريبة ، وحتى المشبك وصواني البسبوسة والكنافة والتورتات ؟!!
جميعها دوائر لا تنتهي ، هل لأن الأرض كروية؟ لا أدري .
وبعيدًا عن أسئلتي الوجودية وتفسيراتي غير المنطقية سأرتدي معكم اليوم عباءة ابن بطوطة ولكن لن نسافر عبر العالم وإنما عبر الزمن لأعرفكم عن تاريخ الكحك بسكر ، لعلنا إذا عرفنا التاريخ نستكشف مستقبلنا مع هذا الكحك اللذيذ .الكحك يا سادة يا كرام له تاريخ طويل بين الأنام في بلادنا الحبيبة مصر يصل إلى أجدادنا المصريين القدماء ، فقد كان جزءً من احتفالاتهم بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، وهذا ما وضحته النقوش والرسومات على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة،، وكان يصنع وقتها من الدقيق والمياه والعسل مع توابل ومكسرات للمزيد من النكهة.
أما الدولة الطولونية فيمكننا اعتبارها البداية الحقيقية لظهور كحك العيد حيث كان يعدوه بعيد الفطر بقوالب مكتوب عليها (كل واشكر )، وأزيدكم من الشعر بيت كانوا يضعون بداخله الدنانير الذهب ، عطية من الحاكم وقتها أحمد بن طولون.
غير أن عهد الدولة الفاطمية كان العصر الذهبي للكحك ، حيث وصلت صناعة الكحك لدرجة من الإتقان والفن لم يسبقها لهم أحد ، وهو في الغالب يرجع لاهتمام الفاطميين بالحلوى وربطهم بينها وبين المناسبات الدينية المختلفة .
وسواء كنت من حزب الكحك أو من حزب البسكويت ، يظل الكحك بسكر متربعًا على عرش حلويات العيد عبر مئات بل آلاف السنين ، وكل سنة وحضراتكم طيبين .