مختار محمود يكتب: سيدنا موسى..ومعالي الوزير
“وأخى هارون أفصحُ منى لسانًا فأرسله معى”..هكذا تحدث كليمُ الله موسى -عليه السلام- مع ربه، عندما أتاه التكليف الإلهى بالنبوة. كان موسى -عليه السلام- مُتصالحًا مع نفسه ويعرف أوجه قصورها: “واحلل عُقدة من لسانى يفقهوا قولى”. أدرك موسى – عليه السلام- منذ اللحظة الأولى صعوبة المهمة التى كلفه الله بها، فلم ينسَ “اللثغة” التى تُعيقه فى الكلام، فدعا ربه مُخلصًا: “قال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عُقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرًا من أهلي، هارون أخي”. لم يشأ موسى -عليه السلام- أن يستأثر بأمر الرسالة والدعوة لنفسه دون غيره، فلم يغفل فضل أخيه الأكبر هارون عليه السلام، حيث كان عالماً وفقيهًا فى قومه، كما كان نبي الله موسى يعلم فصاحة أخيه الأكبر وطلاقة لسانه وبلاغته وقوة حُجته، فلم يزل يتبتل إلى الله بأن يدعمه ويؤزاره ويشد عضده به، حتى أتته البشرى الإلهية من السماء: “اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي”. هذه أخلاق الأنبياء وأولى النُّهى والأبصار والنفوس الأبيَّة ممن يحبون الخير للجميع ولا يستأثرون به لأنفسهم ويحتكرونه. وددتُ لو اطلع معالي الوزير على هذه القصة بتفاصيلها وملابساتها وتفاسيرها، فربما التمس منها العبرة والعظة والأسوة الحسنة. لم يكابر “موسى”، وهو يعلم ما فى لسانه من “لثغة” قد تُضفى على بعض كلماته غموضًا وتُربك وتزعج السامع والمتلقي، ولم يشأ أن يحتكر الأمر كله لنفسه ويمنعه عن أقرب الناس إليه، وكان يمكنه أن يدعو الله بأن يرد لسانه سليمًا فصيحًا، ولكنه طلب المدد والعون ممن هو أفصح منه لسانًا وأعظم بيانًا. وإن من البيان لسحرًا. وهو الأمر الذى يصنع معالي الوزير نقيضه بالكامل. لا يأبه صاحب المعالى بالانتقادات التى تتهافت عليه من كل فج عميق، تناشده أن يترك المنابر لمن يملكون طلاقة اللسان، وحُسن الخطاب، والعلم الغزير، غير أن الرجل يستغل نفوذه، ويسد آذانه عن نصائح الناصحين، وكثيرٌ منهم مُخلصون، وبعضهم مشفقون، وقليل منهم محبون مثل كاتب هذه السطور، ويدير ظهره لغضب الغاضبين، ويصر على احتكار أمر الدعوة لنفسه “خطابة وإمامة وما يستجد”، رغم ما تحظى به بلد الأزهر الشريف من علماء ومشايخ أكابر يفوقونه علمًا وفصاحة وبيانًا وحضورًا. حتى وقت قريب.. كانت منابر المساجد تزدان كل جمعة وفى المناسبات الدينية المتعددة بعلماء حقيقيين ممن أوتوا جوامع الكلم، واللسان المبين، والحضور الطاغي، فكانوا يُحببون النشء الجديد خاصة، والناس عامة، فى الدين وجوهره، قبل أن يدور الزمان دورته، وتنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتخضع المنابر والقِبلة لأمر “الاحتكار والحصرية” مثل مباريات الكرة. كان من الممكن أن يتقبل الناس ذلك، لو أن معالي الوزير أتى بما لم يأت به الأوائل، وهو ما لم ولن يحدث. الشيخ محمد متولى الشعراوى لم يفعل ذلك عندما كان وزيرًا للأوقاف، وهو مَن هو علمًا ولغة وحضورًا. والمشايخ: جاد الحق على جاد الحق، وأحمد حسن الباقورى، ومحمد على محجوب ومحمود حمدى زقزوق، وهم من الراسخين فى العلم والفقه واللغة، لم يفعلوا ذلك عندما كانوا وزراء للأوقاف. أتمنى على معالي الوزير، وأنا له من الناصحين المخلصين المحبين المتعاطفين، أن يراجع نفسه ويتصالح معها، ويسمع بعضًا من خطبه وبرامجه؛ لكي يقتنع أن المنبر ليس مكانه، وأن تقديم البرامج ليس دوره، وأنه لم يُخلق لإمامة المصلين؛ فكل امرئ مُيسَّرٌ لما خُلق له. قد يكون معالي الوزير داهية فى الإدارة والسياسة، ولكنه – بإجماع الخواص والعوام- لا علاقة له من قريب أو بعيد بأمر الخطابة والدعوة إلى الله والإمامة. تعثرك وتلعثمك وارتباكك وتوترك فى قراءة فاتحة الكتاب من أكثر الفيديوهات مشاهدة على موقع “يوتيوب.
ليتك -معالى الوزير- تقرأ قصة سيدنا موسى -عليه السلام- بتدبر ويقين، وتتعلم منها ما يجعلك تجلس إلى مكتبك الفخيم؛ لتدير أمر وزارتك، وهى مهمة صعبة وثقيلة، لا يقوى عليها إلا مثلك، وتترك المنبر لمن يستحقونهما من العلماء الثقات.ربما لو اتخذ الوزير هذه المبادرة، فإن الناس سوف تغفر له ما قد سلف، كما سوف تفتح الباب أمام المسؤولين وضيوف البرامج الإذاعية والتليفزيونية الذين لا يجيدون القراءة والكتابة أو الكلام لأن يتوقفوا تمامًا عن الظهور الإعلامي، ويتركوا الأمر لأهله ومَن يقدرون عليه؛ لأنها أمور لا تُشترى.