مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: التحويشة

عندما تطرُقُ أسماعَنا هذه الكلمة: (التحويشة)، يتبادر دومًا إلى الأذهان حصيلةُ العمر الفائت من الأموال، والخميرة التي صنعتَها – كما يقول المصريون – في سنوات الشباب والسعي لتأمين حياة كريمة، وكأن (التحويشة) أو نتاج حصاد عمر أي إنسان يتوقف على مستواه الاجتماعي ولأي طبقةٍ استطاع التسلقَ في المجتمع، طبقة (الشُّقَق في الكومبوندات) أم طبقة (الڤِلل) وأسطول السيارات، أم طبقة رجال الأعمال والطائرات الخاصة.

والطريف أن الكلمة عربيةٌ خالصة، وتوجد في المعاجم بنفس معناها الذي نستخدمه: (حَوَّشَ المالَ أي جَمَعَه)، لكنَّ المعاجِمَ نبحث فيها عن أصل المفردات ومدى انتمائها للغة العربية، لا عن حقيقتها وقيمتها الفعلية، (التحويشة) وما نخرج به من هذه الحياة ليست الأموالَ والعقارات والسيارات، بل (التحويشة) هي المشاعرُ التي تتركها خلفَك في هذه الحياة، (التحويشة) هي السيرة الطيبة وسط الناس، (التحويشة) هي وقفات الجدعنة والرجولة عندما تُمسي شحيحة.

(حَوِّشُوا) قَعَدات دافئة مع أولادكم يتذكرونها عندما ترحلون عنهم، (حَوِّشُوا) المحبةَ والوفاءَ والاحترامَ عند مَن تعلَّقَ وارتبطَ بكم يومًا ما، (حَوِّشُوا) نِتاجًا مِن العِلْمِ والفِكر الراقي لأجيالٍ تُثمن هذه القيمَ عن الأموال، (حَوِّشُوا) الابتسامات والطبطبات على أكتاف الأحبة، فهي السند عندما ينهار جدار الرُّوح لضيقٍ ما.

(التحويشة) التي يجب أن نُفْنِيَ فيها عافيتَنا وعُمرَنا ليست الأموال؛ فوجودها وسيلةٌ وليس غاية، الغاية هي رضى المولى عز وجل، ورضاه يكون بالإصلاح في الأرض وليس نشر الفساد، بأن أحترم القِيم والمبادئ، اجتهد في تقديم ذريةٍ صالحة للعالم، اترك وراءك عِلمًا يُنْتَفَعُ به، أما الرزق، فالله – عز وجل – قد تكَفَّلَ به فلا تجعله غاية و (تحويشة) في يوم من الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى