مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: الذين اشتروا الضلالة بالهُدى!

افترى الدكتور نصر أبو زيد على القرآن الكريم مُتعمدًا؛ عندما انتزعَ جملة شاردة من ديوان “نهج البلاغة”، وحرّفها، وقدّمها للقارئ، باعتبارها دليلاً دامغًا على اعتراف الإمام علي بن أبى طالب -رضي الله عنه وكرَّم وجهه- بأنَّ القرآنَ الكريمَ “مُنتجٌ بشرىٌّ ينطقُ به الرجالُ”، وليس “نصّا إلهيًّا ينطقُ عنه الرجالُ”، والفارقُ بين الجملتين شاسعٌ، والنية السيئة واضحةٌ، لا تحتمل تأويلاً أو تفسيرًا مغايرًا. وفاتَ “أبو زيد” وأقرانَه وأتباعَه وأشياعه ومريديه وصبيانه أنَّ “نهج البلاغة” نفسَه مدسوسٌ على الإمام عليٍّ، وهو ما يقودنا إلى نتيجة حتمية قاطعة مفادها: “ما بُني على باطل فهو باطل”.
جاء بعد “أبو زيد” جيلٌ جديدٌ، يتبعُ نفس النهج التحايُلي والتلفيقي، فى بناءِ أحكام فاسدةٍ، من خلال أدلةٍ واهنةٍ، وافتراضات هشَّة لا أصلَ لها، اعتمادًا على أنَّ المسلمين أمةٌ لا تقرأ، وتستسهل السمع والعنعنة، ولا تجهد نفسها في القراءة والتحليل والتدقيق وتمييز الخبيث من الطيب. قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ!!
أمثال “أبو زيد” -ممَن يمارسون هذه اللعبة مع الثوابت الإسلامية الراسخة- يختارون أبطال ادعاءاتهم بدقة متناهية؛ حتى يدركوا أهدافهم بأقصر الطرق وأيسر الأساليب. “أبو زيد” كان يعلم المكانة الرفيعة لزوج ابنة الرسول الكريم وابن عمه في آن عند عموم المسلمين وطوائفهم وفرقهم؛ لذلك زجَّ باسمه الشريف في أطروحته عن القرآن الكريم؛ إدراكًا منه أنها سوف تجد طريقها الآمن إلى نفوس العوام والخواص، وقد حدث!
ورغم أنه لا يصح الربط بين “أبو زيد”، باعتباره أكاديميًا وباحثًا بارزًا، وبين أجيال أخرى ممن طرحوا وجهات نظرة مغايرة عما استقر في وجدان وقلوب عموم المسلمين، ومعظمهم أدعياء مُسترزقون، إلا إنهم جميعًا يتفقون في الطريقة والمنهج والأسلوب والهدف. قد يكون “أبو زيد” أكثر وجاهة في مواقفه وكتاباته وتعاملاته، فيما اتسم مَن يقفون في الخندق نفسه بكثير من الجنوح والتطرف والغباء والجهل، فضلاً عن الوهم والتصور الخاطيء عن الذات!
وضربًا للأمثال..ففي مساجلات سابقة مع التكويني إسلام البحيري..أثبت وزير الأوقاف الحالي الدكتور أسامة الأزهري لجوء المذكور إلى التلفيق والتدليس والاستدلال بما ليس موجودًا وعدم القدرة على القراءة الصحيحة، ومن ثم عدم الفهم الدقيق والاستيعاب السليم، وخلط الروايات ودمجها، واختيار أكثرها ضعفًا وهوانًا. وفي برامجه المتلفزة..اختلق “البحيري” روايات غير موجودة بالأساس؛ ليصل بها ومن خلالها إلى أطروحاته العدوانية ضد الإسلام. الأمر نفسه أتقنه تكوينيٌ آخر هو إبراهيم عيسى الذي ظهر كثيرًا وهو لا يتقن قراءة عنوان مرجع تاريخي، أو يُلحن في نطق آيات قرآنية يسيرة، لا يخطئها طفل في الصف الأول الأزهري، أو يهرف ما لا يعرف في روايات تاريخية موضوعة، ويناضل في سبيل الإساءة إلى بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما التكويني المستقيل الدكتور يوسف زيدان، فإنه كثيرًا ما لجأ إلى الإسرائيليات والروايات الساقطة؛ مستدلاً بها على ما يريد أن ينتهي إليه من أكاذيب وافتراءات. ولقد فعل سعد الدين الهلالي ولا يزال في برامجه ومداخلاته كل ذلك وأكثر منه، حتى تحولت مخرجاته الدينية إلى كوميكسات في الفضاء الإلكتروني تثير الضحك تارة، والشفقة تارات أخرى، وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!
إن هذا الفريق يتحرى كل رواية مكذوبة، وشهادة موضوعة، ورأي ملفق، وقول رخيص، وإن لم يجدوا كذبًا ووضعًا وتلفيقًا ورُخصًا، تكفلوا بذلك وصاغوه بأيديهم وصنعوه على أعينهم، وأحيانًا ابتكروا أسماء مصادر ومراجع وهمية من الأساس؛ حتى يرضوا أسيادهم وأكابرهم وأصحاب الفضل عليهم؛ فالنتيجة المطلوبة هي تحقير الإسلام وتشويهه وتجريف بنيانه الشامخ وتقزيمه في عيون أتباعه. إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وختامًا..فإنه ينبغي عليك –عزيزي القاريء- ألا تسلم نفسك وآذانك لكل عابر سبيل، يشغلك بالأكاذيب والافتراءات، ولكن وجب عليك أن تراجع وتدقق بنفسك، وتتحرى الحق من الباطل، والصدق من الكذب، وفي كل مرة سوف تكتشف بدورك كيف أن بضاعتهم الكذب وتجارتهم التضليل، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مُهتدين.

زر الذهاب إلى الأعلى