رشدى الدقن يكتب : ميتافيزيقا
فيه عندنا مثل شعبى عبقرى يقول ..”اللى يحضر العفريت ، يصرفه.. وأللي ميعرفش يصرفه يتحمل أذاه” ..هذا المثل وجدته بداية جيدة لسلسلة من المقالات أكتبها تباعا لموقع “مصر الآن” والذى يرأس تحريره الصديق الكاتب الكبير أشرف مفيد على مدار الأسابيع المقبلة بإسم “ميتافيزيقا ” وأتناول فيه السحر عند جدودنا قدماء المصريين .
السؤال هنا ..وما علاقة هذا المثل بالسحر وماوراء الطبيعة عند جدودنا قدماء المصريين ..الحقيقة.. المثل الذى يقال على الشخص الذى لايفكر جيدا ولا يستطيع أن يحسب خطواته القادمة بدقة فيورط نفسه فى الكثير من المشاكل ..وثيق الصلة جدا بقدماء المصريين وخرج من عندهم وظل يتداول إلى الآن ..وهذه ستكون أول حكايتنا عن هذا العالم الغامض الملئ بما يفوق القدرة على التفكير … لكن قبل هذه الحكاية …دعونى أقول لكم .. المصرى القديم كان مثقفا ثقافة رفيعة المستوى ويمتلك معارف واسعة المدى في العديد من المجالات الأدبية والدينية والفيزيائية والسحرية أيضا .
ولم يكن السحر لدى جدودنا مجرد ألعاب أو خفة يد وطقوس وهمية أو حتى قوة تأثير فى المتلقى .. السحر لديهم كان قوة خارقة علميه يستطيع من يمتلكها الإتيان بأعمال يعجز عقل الإنسان العادي عن إدراك سرها.
المواقع الأثرية المليئة بتمائم وتعاويذ ورسومات وتماثيل حتى للساحرات ..كلها تؤكد أن المصرى القديم كان بارع فى هذا العلم واستخدمه في حماية مصر من أعدائها وزيادة فيضان النيل والوقاية من الشرور .
وتمكن االمصرى القديم من استجلاب قوى خفية والتحكم بقوى ما بعد الطبيعة ..ولمينقل هذا العلم إلا بشروط وعهود ومواثيق .. وهذه العهود والمواثيق هى السبب فى المثل الذى مازلنا نتداوله حتى اليوم ” اللى يحضر العفريت يصرفه ”
القصة المصرية القديمة التى سأحكيها لكم اليوم اسمها “ساحر منف” .. وهذه القصة من اقدم القصص التى سجلها التاريخ وتناقلتها الأجيال وأيضا مختلف الثقافات والحضارات …. فقصة ساحر منف كتبها شاعر قديم اسمه “لوسيان” فى القرن الـ12 .. و القصة نفسها اقتبسها الشاعر الألمانى “جوته” فى قصيدته الشهيرة “الساحر التلميذ” ،واللى اتحولت لفيلم من أفلام والت ديزنى بعنوان “فانتازيا” .
القصيدة التى كتبها “جوتة” تبدأ بساحر عجوز يغادر بيته ويترك تلميذه بمفرده مع بضع أعمال أمره بتنفيذها، التلميذ أصابه التعب من جلب المياه من النهر ، فقام بسحر المكنسة للقيام بذلك العمل مع أنه لم يكمل تدريبه كاملاً، فلم يستطع أن يسيطر على سحره، وسرعان ما امتلأت الأرضية بالمياه ولم يستطع أن يوقف تدفق المياة ..و بعد أن يأس من إيقاف المكنسة بالسحر قام بكسرها إلى نصفين ، إلا أن كل نصف أصبح مكنسة بمفرده، فتضاعف تدفق المياة، فاستسلم التلميذ للوضع، وفي تلك اللحظة عاد الساحر العجوز وأوقف التعويذة وأنقذ الموقف.
القصيدة مشهورة في العالم الناطق بالألمانية بالتحديد السطور التي يتوسل بها التلميذ للساحر بعد عودته أن يصلح الفوضى التي أحدثها… القصيدة المبهرة أخذتها ديزنى لاند وصنعت منها فيلم الرسوم المتحركة بإسم «فانتازيا» الذي أُنتج في عام 1940 ، اشتهر الفيلم كثيراً إلى الحد أنه أُعيد صناعته في عام 2000 تحت عنوان «فانتازيا 2000». وفي عام 2010 انتج فيلم قائم على الفكرة نفسها .
الحكاية التى أبهرت العالم هى حكاية مصرية قديمة حدثت لطالب علم يونانى جاء إلى مصر ليتعلم ..وكان هذا الأمر متكررا جدا فلدينا جامعات حقيقية جاء مشاهير الدنيا ليتعلموا فيها ومنهم افلاطون وارسطو .. ويكفى أن تعرف أن فيثاغورث جاء إلى مصر ليدرس الرياضيات ولم تفيبله جامعة” أون” أو أى من الجامعات المصرية لرسوبه فى الامتحان فأكتفى بالدراسة فى مدرسة ماقبل الجامعة وعد إلى اليونان بنظريته الشهيرة والتى أصبحت أساس الرياضيات فى العالم .
وتحكى القصة عن تلميذ يونانى جاء الى مصر ليتعلم على يد كهنتها … التلميذ فى زيارته الى مدينة “طيبة” رأى تمثالى ممنون فى البر الغربى و استمع الى الأصوات التى تحدثها الرياح عند مرورها من بين شقوق التمثالين و هى أصوات تسمع بوضوح بشكل خاص عند شروق الشمس … وبلمناسبة هذه الأصوات مستمرة حتى اليوم .. و قد ألهمته تلك الأصوات الغامضه كتابة قصيدة من سبعة أبيات .
انتهت زيارة التلميذ اليونانى للأقصر والتى كان اسمها وقتها طيبة وقرر الذهاب إلى منف .. ركب باخرة نيلية وأثناء الرحلة التقى ساحر مصرى من منف ..تعرف عليه وقال له الساحر المصرى أنه عائد لبلده منف بعد أن أمضى ثلاثة و عشرين سنه فى قبو تحت الأرض ، حيث تعلم السحر على يد ايزيس . كما تعلم منها أيضا كيف يمتطى التماسيح و يروض الوحوش .
و عند وصول القارب الى مدينة منف دعا الساحر المصرى التلميذ اليونانى لينزل ضيفا عنده فى بيته .. و هناك رأى التلميذ أستاذه الساحر و هو يمسك بمكنسه و يلقى عليها تعويذة سحرية فتتحول الى خادم يتحرك أمام الناس و يقوم بالأعمال المطلوبه منه .
ويقوم الخادم المكنسه بفعل كل ما يطلب منه و يقدم الخدمات للساحر و ضيفه ..و يقوم باحضار الماء من النهر . و بعد انتهاء العمل يلقى ساحر منف تعويذته السحرية على الخادم فيعود مرة أخرى كما كان “مكنسة” .
كان الساحر حريصا على اخفاء كلماته السحرية و خفض صوته بحيث لا يسمعه أحد …و فى يوم من الأيام اختبأ التلميذ أثناء قيام الساحر بالقاء كلماته السحرية على المكنسه و سمع التعويذه .
و بعد خروج ساحر منف من البيت حاول التلميذ أن يقلد أستاذه فأتى بمكنسه و قرأ عليها التعويذه السحرية فتحولت الى خادم و أمرها أن تجلب له الماء من النهر ليستحم .
و بالفعل نجحت التجربة و حملت المكنسة الوعاء و ذهبت لاحضار الماء و سكبته فى حوض بالبيت … و عادت و أحضرت المزيد من الماء و سكبته فى الحوض و أستمرت فى كرار الامر بلا توقف … امتلأ الحوض و فاض عن آخره و أمر التلميذ المكنسه بالتوقف و لكنها لم تمتثل لأمره ، لأنه لا يعرف التعويذه السحرية التى توقفها … فقد التلميذ أعصابه و كسر المكنسه الى نصفين و لكن هذا التصرف عقد الامور أكثر وأكثر ، فقد تحول الخادم الواحد الى اثنين . و أخذ الخادمان يجلبان المزيد و المزيد من الماء .
وسط هذه الفوضى ..عاد ساحر منف الى البيت و ألقى كلماته السحرية على الخدم فتوقفوا فورا ، و ألقى كلمات سحرية أخرى فانحسر الماء .
و كانت هذه نهاية العلاقة بين ساحر منف و بين التلميذ اليونانى الذى تعجل ولم يصبر حتى يتلقى العلم وكاد أن يغرق بسبب تصرفاته الحمقاء .. و كاد أن يحدث كارثه بتهوره و قلة خبرته .
طرد ساحر منف لتلميذ اليونانى وقرر ألا يعلمه شئ .. فعاد حزينا جاهلا كما جاء ..ومن وقتها ظهرت مقولة “اللى يحضر العفريت ، يصرفه”