مي محمود تكتب: ٦ أكتوبر.. يومٌ كتب المصريون فيه المجد بدمائهم

في تمام الثانية ظهرًا من يوم السبت السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، تحوّل الصمت على ضفتي قناة السويس إلى عاصفة من التكبيرات والطلقات والانتصار.
“الله أكبر”.. كانت الكلمة التي هزّت الأرض والسماء، وأعلنت بدء ملحمة العبور التي أعادت لمصر كرامتها، وللعالم العربي ثقته في نفسه بعد سنوات من الانكسار.
في لحظات معدودة، اجتاز أبطال الجيش المصري قناة السويس بخطة محكمة أذهلت العدو والعالم.
تمكن المهندسون العسكريون من فتح ثغرات في الساتر الترابي (خط بارليف) باستخدام مضخات المياه، في واحدة من أذكى الخطط العسكرية في التاريخ.
بدأ الجنود في عبور القناة تحت نيران العدو، رافعين علم مصر على الضفة الشرقية، ليُعلنوا أن المستحيل كلمة لا يعرفها المصريون.
لم يكن النصر وليد الصدفة، بل ثمرة سنوات طويلة من الإعداد والتخطيط والتضحية.
منذ هزيمة ١٩٦٧، بدأ المصريون بقيادة رجال شرفاء إعداد جيشهم من جديد.
ومن أبرز هؤلاء القادة اللواء عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك، الذي استُشهد في عام ١٩٦٩ وهو في الصفوف الأمامية على الجبهة، ليبقى رمزًا للقيادة التي لا تعرف الخوف.
ثم جاء الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب أكتوبر، الذي وضع خطة العبور التاريخية التي أبهرت العالم، وغيّرت موازين القوى.
وفي قمة القيادة، كان الرئيس محمد أنور السادات، الرجل الذي امتلك شجاعة القرار وإيمان النصر، فقال كلمته الشهيرة:
“إن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.”
وبالفعل، كانت قوة الإيمان والعقيدة هي سلاح الجنود الحقيقي.
في ست ساعات فقط، نجح الجيش المصري في تحطيم أسطورة خط بارليف، الذي قيل عنه إنه “أقوى خط دفاعي في التاريخ”، وتم تدمير أكثر من مائتي دبابة للعدو، وأُسقطت طائراته في معارك جوية بطول السماء.
وتقدّم الأبطال شرقًا، ليُكتب أول نصر عربي على إسرائيل في العصر الحديث.
لم يكن النصر عسكريًا فقط، بل نصرًا للكرامة والروح والوحدة.
فكل بيت في مصر شارك في الحرب بطريقة ما — الأم التي ودّعت ابنها، والأب الذي دعا له، والعمّال الذين عملوا في المصانع، والطلاب الذين تبرعوا بدمائهم.
كان الشعب كله جيشًا واحدًا، والعلم المصري كان خيمة الوطن التي جمعت الجميع.
واليوم، وبعد أكثر من خمسين عامًا على هذا النصر العظيم، تظل روح أكتوبر تسكن في كل مصري.
تتجلى في بناء الجسور والمدن الجديدة، في المعارك ضد الإرهاب، وفي إصرار الشباب على النجاح والتقدم.
وكما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى كلماته:
“الشعب المصري أثبت في أكتوبر أنه لا يعرف المستحيل.. وها هو اليوم يثبت من جديد أنه قادر على البناء كما كان قادرًا على النصر.”
ولنؤكد بوضوح أن نصر أكتوبر لم يكن مجرد فوز بسلاح وعتاد، بل كان انتصارًا للوحدة الوطنية والإرادة الجماعية. هذه الوحدة تمنحنا اليوم القدرة على مواجهة كل أشكال الحروب المعاصرة — العسكرية والطبيعية والاقتصادية والإلكترونية والفكرية — لأن الدولة والمجتمع الموحدين يستطيعان أن يتحملَا الضغوط وأن يحميا الوطن بوسائل متعددة. عندما نقف معًا، لا يهم نوع التحدي؛ فمصر قادرة، بإيمانها وشبابها وجيشها ومؤسساتها، على مواجهة كل محن وبناء مستقبل أقوى.
تحية إجلال وتقدير لكل شهيد ضحّى بروحه فداءً لمصر، ولكل مقاتل رفع رأس الوطن عاليًا.
تحية لجيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة، ولكل أب وأم أنجبوا أبطالًا حقيقيين.
وتحية لكل مصري ومصرية متمسكين بمبادئهم وقيمهم في زمنٍ تغيّر فيه الكثير، لأن التمسك بالمبادئ اليوم هو البطولة الحقيقية في معركة الوعي.
وفي ختام هذا اليوم العظيم، نُعيد على كل المصريين ونقول:
اجتمعوا على حب الوطن، وتذكّروا أن نصر أكتوبر ليس يومًا في التاريخ، بل هو حكاية شعبٍ لا يعرف الهزيمة، ولا يقبل إلا بالكرامة والعزة.
كل عام ومصرنا الغالية بخير،
وستظل دائمًا بإذن الله بلد الأبطال، وراية المجد الخالدة.