طفولتى على ضفاف قناة السويس بقلم: أنس الوجود رضوان

في ذكرى تأميم قناة السويس، يعود بي الحنين إلى ضفاف تلك القناة العظيمة، حيث كبرت أحلامي الصغيرة، وكبرت معها حكاية وطن كتب تاريخه بيديه.
كبرتُ على ضفاف قناة السويس، حيث كان المدى مفتوحًا، والماء يعكس زرقة السماء، والمراكب تمرّ وكأنها تحكي لنا حكايات من بلادٍ بعيدة. لم تكن القناة مجرد ممرٍّ مائيّ عالمي بالنسبة لي، بل كانت جزءًا من طفولتي، وملعب أحلامي الأولى.
في كل صباح، كنّا نركض إلى شاطئ القناة ننتظر سفينة تمرّ، نلوّح لها بأيدينا الصغيرة، وكأنّ من عليها يعرفنا. أذكر كيف كنّا نعدّ السفن، نراقب الأعلام، ونحاول تخمين اسم الدولة التي جاءت منها. كانت القناة موسوعةً مفتوحةً على العالم، ونحن الأطفال ننهل منها الدهشة والمعرفة.
كانت أمي تحكي لنا كلّ ليلة عن يوم تأميم القناة، عن عبد الناصر وصوته المدوي، عن “القرار اللي هزّ العالم”. لم نفهم كل شيء حينها، لكننا شعرنا بالفخر، وكبرنا على أنّ القناة “بتاعتنا وإحنا اللي حافرينها”.
في الشتاء، كانت الرؤية تصبح ضبابية، لكن السفن لا تتوقف. وتعلمنا من القناة أن الطريق مستمر حتى في الأوقات الصعبة. وفي الصيف، كان الموج يداعب الشاطئ، وتغدو القناة مكانًا للضحك والسباحة وأغاني الصيادين.
قناة السويس لم تكن فقط مكانًا على الخريطة، بل كانت قطعة من الذاكرة ومن القلب. وكلما مرّت السنوات، أدركت كم كانت تلك الطفولة البسيطة عظيمة، لأنها نُسجت في حضن واحد من أعظم إنجازات المصريين.
واليوم، عندما أحضر مؤتمرًا صحفيًّا بهيئة قناة السويس، وأشاهد سفينة تمرّ في القناة، أشعر وكأنني أراها بعيني تلك الطفلة التي لا تزال واقفة هناك، تلوّح بيدها لقبطان السفينة، وتحلم.
وهكذا، تبقى قناة السويس في قلبي ليست فقط شريانًا للملاحة، بل شريانًا للانتماء، ينبض بحب مصر كلما مرّت سفينة، وكلما مرّ الزمان.