أنس الوجود رضوان تكتب : أنا وطفل القمامة

كان والده أسعد رجلاً بسيطاً ومريضاً، يُعاني من انزلاق غضروفي، لكنه لم يتقاعس يوماً عن أداء عمله في جمع القمامة. كثيراً ما رأيته نائماً من شدة التعب في مدخل العمارة، وحوله أطفاله الصغار وكأنهم يحرسون أحلامه المنهكة.
لم يُمهله القدر طويلاً، فرحل عن الدنيا، تاركاُ أبناءه في مواجهة حياة قاسية، وكان أكبرهم لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره.
من بين هؤلاء الأطفال، تولى “أندريوس” ـ وكان في العاشرة من عمره مسؤولية والده. كان يطرق باب شقتي في الطابق الثاني كل يوم، يحمل كيس القمامة في يد، وفي الأخرى كبرياء لا يليق إلا بالكبار.
تساءلت: كيف يمكنني أن أرسم بسمة على وجه هذا الطفل الحزين؟
فقررت أن أشتري له بعض الحلوى: شوكولاتة، وبسكويت، وبمبوني، أضع له كل يوم شيئاً منها. كنت أُحادثه كأنني أُحادث أحد أحفادى، أحييه على مجهوده، وأُشجعه لأنه يساعد إخوته، ولأنه متفوق أيضاً في دراسته
ومع مرور الأيام، بدأت ألاحظ نوراً جديداً في عينيه
وفي أحد الأيام، وقف أندريوس أمامي بابتسامة عريضة
سألته:
ـ “ما الحكاية؟ ما هذه الإبتسامة الجميلة؟”
فأجاب بحماس:
ـ “أنا نجحت”
في تلك اللحظة، شعرت برغبة عارمة في أن أحتضنه، أُربّت على كتفه، وأمنحه كل ما أستطيع من دعم. أخرجت له مبلغاً بسيطاً كهدية لنجاحه، وكانت سعادته لا توصف.
وفي المقابل، كان بعض سكان العمارة المقابلة يتساءلون: لماذا يصعد أندريوس إلى شقتي لأخذ القمامة، بينما يتركونها هم عند المدخل؟
وكانت المفاجأة حين أجابهم الطفل ببساطة مذهلة:
“علشان هي بتعاملني زي ابنها وبتعطف عليا وأنا بحب أشوفها.”
وقتها، أدركت أن المعاملة الطيبة تصنع المعجزات، وأن جبر خاطر طفل صغير أجبرته الظروف على العمل في سن مبكرة، هو أعظم ما يمكن أن نقدمه.
أن يشعر الطفل بأنه “إنسان” له قيمة، وله مكانه ، هي أجمل هدية يمكن أن نهديها له ولأنفسنا.