مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: أخلاق الصوم

0:00

امتثال شرع الله فى القول والعمل, والعبادة الصادقة, والزهد فى الملذات, والتراحم والمودة بين الناس, هى القيم التى يفترض أن تعود إلى النفوس كلما عاد شهر رمضان المبارك بأجوائه الروحية السامية, ومايتنزل فيه من الخير والرحمة للعالمين, ولكن بعض الموظفين فى الكثير من الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية يستبدلون ذلك كله بالكسل والنزق وتعطيل المصالح, فساعات العمل تتقلص إلى النصف إن لم تكن إلى الثلث, والأمزجة تصل درجة من الشد والجذب لايمكن التعبير عنها بلغة الكلام, والمراجعون يكون مطلوبا منهم أن يتفهموا أن الموظف الجالس خلف الكاونتر “صائم”, فلا نقاش, ولاإلحاح على إنجاز المعاملات ولاتسرع, فالشهر الفضيل له ظروفه, ومن شاء فليفهم, ومن لم يشأ فتلك مشكلته, و”اللهم إنى صائم”, والمفارقة هى أن حجة هؤلاء فى العطالة “الرمضانية” تبدو شكليا وجيهة!, فمن يسهر حتى الفجرلايمكن أن يخف إلى العمل فى الساعة التاسعة بهمة ونشاط.
ومايقال عن هؤلاء لاتبلغه حال بعض سائقى المركبات من عصبية وانفعال وأمزجة ملتهبة وخروج على أبسط قواعد المرور, ومايقدم عليه بعض الناس من تكسير للنظام, وخروج على الطوابير لدى الدوائر الحكومية, وكل ذلك بحجة أنه”صائم”, وأن على الجميع أن يدفعوا من مصالحهم وراحتهم ضريبة لهذا الصوم, فيعذرونه ويتفهمون وضعه وكأنه هو الصائم الوحيد فى الشارع أو عند الدائرة الحكومية أو غيرها, وبديهى أن كل هذه السلوكيات لاتتماشى مع روح الصوم ولامع روح الاسلام السمحاء, وكونه دينا يسرا صالحا لكل زمان ومكان.

وليس ضياع المصالح, والكسل, وحدة الأمزجة هى وحدها مايعانيه مجتمعنا فى شهر رمضان, فإن ثمة داء آخر يحتاج إلى بيان خطورته هو الاسراف والاستهلاك الزائد عن الحاجة طيلة هذا الشهر, فجولة فى أحد المراكز التجارية تعطى فكرة عن النهم المرضى الذى يجتاح البعض طيلة هذا الشهرالكريم, فترى المتسوق, أو المتسوقة, يجر أمامه عربة عليها من المواد الغذائية ولوازم المطابخ مايهولك من كثرته, وترى من تعرف عدد أفراد أسرته يشترى مايفوق حاجتها عشرات المرات, وتستنتج أن الفارق سيتم رميه فى صناديق القمامة, فى عملية إسراف لاتتماشى مع روح الصوم التى تقتضى الزهد والتخفف من ملذات هذه الحياة الفانية, والاتجاه بالطلب إلى ماعند الله من خير ورحمة لاحدود لهما.
إن شهر رمضان المبارك مع ذلك لايخلو فى مجتمعنا من بعض الأوجه المشرقة لهذا البلد الكريم, وفى مقدمتها خيم الافطار الجماعية التى تقام للمحتاجين والفقراء , وكذلك المعونات التى تقوم بها الجهات المختصة وبعض أهل الخير على الأسر المتعففة وذوى الاحتياجات وغيرهم, ويبقى فقط أن نتغلب على بعض الأوجه السلبية التى تلاحظ طيلة الشهر الكريم كالكسل, والاسراف, والسهر المفتوح, وجلسات “الشيشة” الطويلة, والتغلب على كل ذلك لايكلف سوى القليل من التوجيه وجهاد النفس وفهم روح الصوم, والاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى, وتقبل الله صوم الجميع.
جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد بنى فى مصر وإفريقيا, ويعد من أهم المساجد التاريخية فى القاهرة ,تم بناؤه عام 641ميلادية21هجرية, كان المسجد بسيطا فى تصميمه , فمساحته مربعة بسقف من الجريدو وأعمدة من جذوع النخيل,وتوسع المسجد عبر العصور, فأضيفت له المآذن, والأعمدة الرخامية, والزخارف, خاصة فى العصرين الفاطمى والمملوكى, ثم العثمانى, وأعيد ترميمه وتجديده عدة مرات, وكان مركزا للعلم والدعوة الاسلامية, حيث درس فيه كبار العلماء مثل الإمام الشافعى, ويمتاز الجامع بصحن واسع محاط بأروقة, وأعمدة رخامية , والمحراب والمنبر لهما تصميمات إسلامية بسيطة مقارنة بالمساجد التى بنيت لاحقا, فاجتمع على إقامة محرابه ثمانون من صحابة رسول الله , وكان المسجد يقوم محاذيا لضفة النهر.
ماأجمل شهر رمضان فى مصر حتى فى ظل موجة الغلاء العالمية وتأثيراتها المحلية على المواطن, فأهل مصر مسلمين ومسيحيين فى رباط إلى يوم الدين, والفرحة عامة, والكرم هو عنوان الشهر, والكل يجد إفطاره فى نهاية يوم الصوم, سواء من كده وعرقه أو من كرم أصحاب القلوب الرحيمة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شهر رمضان:”لو علمت أمتى مافى رمضان لتمنت أن يكون العام كله رمضان”,و أظن أن هذا الحديث الشريف يكفى لطمأنة كل من شعر بخوف على حاله قبل حلول الشهر الكريم وبالقلق من مصروفاته, فالخير فى أمة محمد إلى يوم القيامة.
من أنواع الجهاد جهاد كل رجل وأمرأة من أجل الحفاظ على بيوتهم وبقاء ودهم وصلاح أولادهم, فالحرب على الأسرة أصبحت عالمية تشارك فيها الحكومات بسن القوانين, والإعلام بتدمير القيم, وهز الثوابت, والأهل بالحمق وسوء التصرف, والزوجان بتأخير التصافى والنظر إلى الغير, ومشاورة غير ذى الصفة, وقلة الدين, والانشغال عن الواجب .جاهدوا مااستطعتم من أجل بيوتكم فإنها – لو علمتم- آخر القلاع.
كيف لأمة حكمت العالم ألف عام أن تتحول إلى فريسة”للضوارى”؟أى لوحوش الغابة!
من يثق فى نفسه تكسبه السلطة مزيدا من القوة, ولكن المغرور يتضخم كلما زادت سلطاته فيضر نفسه ويضر الآخرين.
الصدق هو قول الحق, والكرم هو الرغبة فى العطاء, والبخل هو عدم القدرة على المنح.
إذا كان ضيف البيت مرهقا, فضيف القلب مهلكا, ووجب علينا الانتقاء والتدقيق. احذروا الأبواب المفتوحة فقد تتسلل منها أوجاع مفرطة.!
إن كان الكذب خسارة, فعدم التوبة عنه سقوطا مذلا.
لو تذكرت أنك مجرد ضيف على هذه الدنيا فلن تظلم, ولن تطمع فى حقوق الآخرين.
كن كالصابون يعاشر كل الأوساخ, ويبقى نظيفا.

زر الذهاب إلى الأعلى