مقالات الرأى

د. سالي جاد تكتب: دراما رمضان.. “اختبار صبر” !!

0:00

لا أخفيكم سرًا، شعرت هذا العام بأنني أمام معركة يومية عند فتح التلفزيون في رمضان. بين الرغبة في مشاهدة عمل درامي محترم، وبين الكم الهائل من المسلسلات التي باتت أشبه بـ “اختبار صبر” لمعدلات التحمل لدينا. رمضان، ذلك الشهر الذي كنا ننتظره لنلتف حول دراما راقية تجمع العائلة، أصبح موسمًا لمنافسة لا تخضع لأي معايير واضحة، وكأن الهدف الوحيد هو صناعة “الترند”، مهما كان الثمن.
لم يكن المشهد كذلك من قبل. كانت هناك دراما تُحترم، نصوص تُكتب بعناية، قصص تلمس الوجدان وتبقى في الذاكرة. اليوم، تجد نفسك وسط عالم من الصخب، حيث لا ضوابط ولا قيود. جرأة غير مبررة، عنف مجاني، حوارات بلا معنى، وقصص لا تقدم شيئًا سوى إهدار الوقت. والأغرب أن البعض يبرر ذلك بـ “الواقعية”، وكأن الواقع لا يحمل إلا هذه الزوايا المظلمة، وكأن رمضان فقد قدسيته ليصبح مجرد موسم تجاري بحت.
لكن وسط هذا الزحام، هناك أعمال تحاول أن تقدم شيئًا مختلفًا. مسلسلات تُراهن على القيمة لا على الإثارة الرخيصة. دراما تصنع حالة إنسانية حقيقية، تعيد لنا الإحساس بأن الفن رسالة قبل أن يكون وسيلة ترفيه. المشكلة ليست في غياب هذه الأعمال، بل في عدم إعطائها المساحة الكافية للظهور، وسط ضجيج يُغطي على كل ما هو جيد.
لا أطالب بالعودة إلى “زمن الفن الجميل”، ولا أدعو إلى دراما وعظية جامدة، لكن هل أصبح من الصعب أن نجد عملًا دراميًا متوازنًا؟ مسلسلًا نحكي عنه دون خجل؟ قصةً تلمس القلب دون مشاهد تجبرك على تغيير القناة؟ يبدو أن هذا أصبح ترفًا في زمن المسلسلات السريعة والمحتوى المصنوع على مقاس “الترند”.
ربما يكون الحل في أيدينا كمشاهدين. الاختيار لم يعد رفاهية، بل ضرورة. دعم الجيد والتخلي عن الرديء هو السبيل الوحيد لإعادة التوازن إلى المشهد. لأن الدراما، في النهاية، مرآة لنا، وما يُعرض على الشاشة ليس إلا انعكاسًا لما نقبله ونستهلكه. والسؤال الحقيقي هنا: أي دراما نريد؟

زر الذهاب إلى الأعلى