مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: اختفاء المسيحيات واختطاف الوطن

0:00

تطالعنا كل وقت وآخر حادثة مختلفة من حوادث اختفاء الفتيات ” المسيحيات ” وأعتذر عن استخدام كلمة “المسيحيات ” لأنني بطبيعتي لا أحب استخدام هذه الكلمة رغم خصوصيتها وتقديرها وقداستها ويتغلب عليّ وطني وأنحاز إلى مصريتي وأولي وجهي وقلبي شطر بلدي وأقول دائما المصريات متكئا على مصريتي وانتمائي لبلدي وخوفي عليها ولكن نظرا لطبيعة وخصوصية القضية التي أتحدث عنها أستميحكم عذرا أن أستخدم كلمة ” المسيحيات ” وفي هذا المقال فقط وأتمنى ألا أستخدمها مرة أخرى.

ورغم طرح هذه القضايا القديمة الجديدة إلا أننا يجب أن نتوقف قليلا عند بعض الأمور والحقائق ونواجه أنفسنا بكثير منها ونتحمل المسؤولية بكل شجاعة وفي إطار من الوضوح الكاشف لمعالم الطريق الذي يرشدنا جميعا إلى تلمس حلول حقيقية وواقعية للقضاء على هذه المشاكل أو التخفيف عنها أو وضع إطار قانوني وديني ومجتمعي لها واضح وصريح يقضي على هذه الصراعات النفسية والمجتمعية والدينية المزعجة والمقلقة للجميع وحتى لا نعطي فرصة لكل من يتربصون بهذا البلد العظيم أنهم حينما يختلفون مع مصر أو يدخلون معها في صفقات أو مفاوضات سياسية أو اقتصادية يخرجون من حقائبهم ملف الأقباط ويختارون منه ما يلائم معركتهم معنا حتى يفشلوا أو يتحقق لهم ما يريدون وبعد ذلك يعيدون الملف والقضايا والأقباط إلى حقائبهم مرة أخرى فالقضية عند هؤلاء ليست كما يتصور البعض حقوق وحريات وأقليات فهذه كلمات حق عندهم يريدون بها باطل .  فهذه المنظمات والدول الخارجية لا تحركها إلا المصالح السياسية والمكاسب الاقتصادية فقط ولا شيء آخر ولكنهم يتفنون في تغليف الحقوق والحريات والأقليات بأغلفة براقة جذابة حتى ينخدع أصحابها وينساقون وراء أحلامهم المزيفة الوردية للشعوب ويكتشفون بعد فوات الآوان أن هذه الأحلام الوردية ما كانت على أيدي هذه الدول والمنظمات سوى كوابيس مظلمة مفزعة مزعجة وبدلا من أن تكون حقوق أقليات تكون حقوق بلاد وأوطان وشعوب كاملة

ومع ذلك علينا أن نضع الحقائق أمام الجميع ليقف كل واحد منا أمام نفسه ومسؤوليته الكاملة.  الأسرة والمؤسسات الدينية والدولة والمجتمع وإن كانت كل هذه المسؤوليات تحتاج إلى إعادة هيكلة وصياغة من جديد تناسب العصر الحديث وتتماشى مع تغيرات المجتمع والثقافات الدخيلة وروح الشباب المنطلقة المتدفقة.  نحتاج إلى فكر جديد ولغة عصرية حديثة وإبداع وثقافة متطورة تستطيع أن تستوعب وتحتوي كل هؤلاء الشباب وتكون هي الحاضنة والفاعلة في الرأي والتوجه والتأثير

 لدينا مشاكل؟ بكل صراحة ووضوح نعم ولدينا مشاكل كثيرة تحتاج منا جميعا أن نقتحمها ونوجد الحلول العاجلة لها لدينا مشاكل داخل الأسر المصرية معقدة ومتشابكة منها ما هو مرتبط بأعباء المعيشة والحياة ومنها ما هو مرتبط بغياب الرقابة والاهتمام ومنها ما هو مرتبط بضعف قناعات كل طرف بالآخر ومنها ما هو مرتبط بتقادم المشاعر والأحاسيس ومنها ما هو مرتبط بالمساحات الشاغرة داخل كل طرف من الأطراف ومنها ما هو مرتبط بتداخل قضايا المجتمع المصري بشكل عام

لدينا مشاكل داخل المؤسسات الدينية تحتاج إلى إصلاح شامل وإعادة هيكلة لكل المفاهيم وأدوات الفكر والخطاب الديني ومواجهة الأسرة والشباب والمجتمع

لدينا مشاكل في آلية وطريقة التعامل مع الخلافات الزوجية والمشاكل التي تطرأ بعد الزواج ووصول مستوى هذه الخلافات إلى استحالة العشرة بين الزوجين حتى وإن كانت هذه الخلافات على المستوى النفسي والإنساني والشخصي فلابد أن تكون لها حلول واقعية وحاسمة حتى وإن كان من ضمن هذه الحلول طرح قضية الطلاق والانفصال على مائدة الحوار والنقاش العقلاني المتزن الرشيد الذي يفضل ويبحث عن مصلحة الإنسان والأسرة والمجتمع والمؤسسة الدينية بعيدا عن اية خلافات أو مصالح أو نفوذ أو موائمات أخرى

لدينا مشاكل في الفن والتعليم والثقافة والرياضة وكل مؤثرات الشخصية والهوية المصرية ولدينا اختراقات كبيرة في هذه المؤثرات لصالح أطراف ومؤسسات خارجية تريد تشويه الشخصية المصرية وتسعى جاهدة لاختراق المجتمع المصري من خلال احتلال مواطن القوى الناعمة المصرية وإضعافها وتعطيلها تماما.

لدينا مشاكل في ضعف أداء مؤسسات الدولة المصرية المعنية بملف القوة الناعمة أو القوة الشاملة وبما لا يتناسب مع حجم الأخطار والتهديدات التي تواجه الدولة والمجتمع المصري ولدينا مساحات كبيرة وشاسعة تركناها فارغة وملآها الغير بأفكاره وتوجهاته وثقافته وسطوته ونفوذه والتي تخدم أهدافه ومخططاته

انظر إلى مسلسلات رمضان والتي هي بمثابة حكم بالإدانة على الجميع

لدينا مشاكل في منظومات القيم والأخلاق التي تهذب من سلوكيات الفرد والمجتمع وترتقي بأخلاقيات الشباب وتجعل التنافس بينهم في الرقي والثقافة والمعرفة والأدب

لدينا مشاكل في قبول الآخر

لدينا مشاكل في الممارسات والحياة الحزبية والسياسية

لدينا مشاكل في الهروب من المواجهة والتمترس خلف نظريات وحسابات ضيقة ضعيفة وقتية من الدولة والأجهزة والمؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية

 هل نملك الأدوات لإصلاح وحل هذه المشاكل؟ نملك الأدوات ولكن الكثير منها عفي عليه الزمن ولم تطور من نفسها وفكرها وأصبحت غير ملائمة لفكر ومتطلبات المرحلة.  لدينا مشاكل متجذرة يمنعنا الخوف من أن نقتحمها ونفتح ملفاتها ونعمل على إيجاد الحلول الواقعية لها فما كان يصلح ويناسب الأمس لا يصلح ولا يناسب اليوم.  لدينا مؤسسات دينية مسلمة ومسيحية تحتاج إلى إصلاح وهيكلة كاملة وتنازلات كبيرة من حراس المعبد في كلا الجهتين.  نحتاج إلى خطاب وفكر ديني إسلامي ومسيحي عصري حديث يقضي على الجهل ويجدد الأفكار الراكدة في العقول والمفاهيم وينقل فكر الشباب إلى المستقبل ويصنع حصانة ومناعة فكرية جديدة لأن الفيروسات بتقادم الزمن لم تعد تجدي معها المضادات الحيوية الفكرية القديمة وتقاعست المؤسسات الدينية عن اختراع وتطوير مضادات حيوية فكرية جديدة تناسب تحورات فيروسات الفكر والعصر الحديث فأصبحنا نعالج مريضا بعلاجات قديمة فقدت صلاحيتها وفاعليتها

نحتاج إلى ثقافة سياسية ودينية ومجتمعية وفنية تناسب عصر الذكاء الاصطناعي والحاسبات الكمومية والتكنولوجيا الحديثة

التحديات كبيرة والأخطار تواجهنا من كل جانب والقضية أكبر وأخطر من شاب هنا وفتاة هناك القضية ليست في اختفاء فتاة ولكن القضية الحقيقية هي السعي والعمل لاختفاء وطن بأكمله. القضية ليست في اختطاف فتاة ولكن القضية الحقيقية التي يسعى لها من يتربصون ويكيدون لنا هي اختطاف وطن بتاريخه وحضارته وماضيه ومستقبله. لذلك يجب علينا جميعا الانتباه لهذه الأخطار والتحديات التي تواجهنا من كل جانب وفي فترة عصيبة وخطيرة من أصعب وأخطر الفترات التي مرت على بلادنا والتي لا يمكن أن نتغلب وننتصر عليها إلا بتماسكنا وصمودنا ووحدتنا. لا يمكن أن يزايد أحد على وطنية ومصرية وانتماء المصريين جميعا وحبهم لبلادهم فهذه خصوصية تميز المصريين عن غيرهم من شعوب العالم ولا يمكن أن يراهن أحد على إيثار المصريين لبلادهم على أنفسهم وقت الخطر والمحن والشدائد ولكن نريد أن نحافظ على هذا الصمود والتحدي ونقوي من علاقات وتماسك وترابط كل الجبهات الداخلية وتطورها بما يتناسب مع هذه التحديات الخارجية نريد أن نعالج أخطائنا بأنفسنا ونواجه مشاكلنا بحلولنا ونعالج أمراضنا بأدويتنا نريد حالة من المكاشفة والمصارحة بيننا وبين أنفسنا سعيا وراء الحفاظ على بلادنا ومجتمعنا ومستقبلنا

زر الذهاب إلى الأعلى