د.فتحي حسين يكتب : رمضان.. موسم الدراما أم ماراثون الإعلانات؟!

كما هو معتاد، ومع أول أيام رمضان، نشعر جميعًا بأننا دخلنا سباقًا محمومًا ليس للعبادة ولا لصلة الرحم، بل لمتابعة سباق آخر أكثر شراسة: سباق الإعلانات! نعم، نحن في زمن أصبح فيه شهر الصيام هو الشهر الذي نفطر فيه على إعلان، ونقوم للصلاة على إعلان، ونعود لنجد إعلانًا ينتظرنا بفارغ الصبر!
تحاول المسلسلات جاهدةً أن تحجز لها مكانًا وسط طوفان الإعلانات المتلاحقة، لكن يبدو أن الأمر صار أشبه بمعركة غير متكافئة. فالمشاهد المسكين الذي جلس ليُتابع دراما رمضان يجد نفسه عالقًا وسط “سيل مدرار” من الوجوه الإعلانية المتكررة. هل هناك اتفاق سري بين شركات الإعلانات على إعادة تدوير نفس الوجوه كل عام؟! فها هو محمد رمضان، مرة مغني راب، ومرة مقاتل كاراتيه يعلن عن مشروب الطاقة، وتامر حسني يبيع لك المعجون السحري الذي يحوّل أسنانك إلى قطع من الألماس، بينما يسرا تتحدث عن “البركة”، وأحمد عز يقسم لك أن هذا المنتج هو سر شبابه الدائم، أما إسعاد يونس فتمارس هوايتها في إقناعك بأن الحياة لا تكتمل بدون شراء حاجة حلوة!
وبالطبع، لا ننسى نجوم مسرح مصر الذين تم استدعاؤهم رسميًا كفرقة كوميدية دائمة للإعلانات، في محاولة يائسة لإضحاك المشاهد الذي فقد أعصابه بسبب التكرار.
وكأن هذا الطوفان لا يكفي، تأتينا موجة أخرى من إعلانات التبرعات التي تلعب على أوتار المشاعر، تبدأ بموسيقى حزينة وصور لأطفال ومرضى ومساكين، وتنتهي بعبارة: “اتصل الآن وتبرع قبل فوات الأوان!”، وكأن أبواب الجنة ستُغلق بعد انتهاء الإعلان مباشرةً!
ثم تأتي مسابقات الجوائز الكبرى، تلك التي تجعلك تشعر أن ثروتك الضائعة منذ الأزل ستعود بمجرد إرسال رسالة بـ5 جنيهات! هاتف هنا، سيارة هناك، وملايين الجنيهات التي لن يراها أحد سوى القائمين على المسابقة أنفسهم!
وسط كل هذا الصخب، يصبح أداء الصلوات وقراءة القرآن شيئًا ثانويًا، وبدلًا من أن يسهر الأبناء على صلاة التراويح أو جلسات الذكر، تجدهم ساهرين على متابعة أحداث المسلسل، أو بالأحرى متابعة الإعلانات المتخللة للمسلسل!
وفي النهاية، ينتهي الشهر وقد حفظنا جميعًا أسماء المنتجات والمعلنين عن ظهر قلب، بينما تلاشت تفاصيل المسلسلات في زحام الدعايات. ويبقى السؤال: هل رمضان أصبح موسم الدراما، أم مجرد ماراثون إعلاني تُعرض خلاله بعض المشاهد الدرامية على استحياء؟!