حازم البهواشي يكتب: “اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك” (1)

بما أن هذه الكلمات هي أول آيةٍ نزلت في القرآن الكريم، (سورة العلق)، فقد نزلتْ في ليلة القدر، بما يعني أن العِلمَ في ديننا أمرٌ ذو قدر، وليس شيئًا ثانويًّا. فإذا علمتَ أن أولَ قَسَمٍ في القرآن كان بالقلم: “ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” ( القلم _ 1 )”، لأصبح اهتمامُ الدين بالعلم لديك أمرًا مؤكدًا، حتى أن ربَّ العالمين أمرَ نبيَّه أن يدعُوَه أن يَزيده علمًا: “… وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا” ( طه _ 114 )”، بما يعني أن المرءَ مهما بلغتْ منزلتُه يَنقُصُه الازديادُ من العِلم!! والعِلم يُثَبِّتُ الإيمان، فأنتَ إذا عبدتَ اللهَ على عِلمٍ تقبلتَ أقدارَه كلها مهما بدت صعبة! والعِلمُ يجعلُ أصحابَه أشدَّ خشيةً لله _ إذا صدقوا ولم يُدلسوا “… إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ… ” ( فاطر _ 28 )”.
والسنة النبوية تؤكد أيضا قيمة العلم؛ إن شئتَ فاقرأ قول نبيك في الحديث الصحيح: “من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له مَن في السماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا ، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ”. (أخرجه أبو داود، واللفظ له، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد).
ولماذا تكون (اقرأ) مشروطةً (باسم ربك)؟! ذلك معناه أن يكون العلمُ للخير والفضيلة ومنفعة البشرية، لا للشر والرذيلة وضياع البشرية، وكما يقول شاعر النيل “حافظ إبراهيم” (1872م_ 1932م):
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ // تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ // ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ
كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً // لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ
لتكن حياتك إذن باسم ربك ليكون لها معنى وهدف ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” ( الأنعام _ 162 ) وكل ما لم يكن خالصًا لوجهه، أعد النظر فيه.
ثم لماذا جاءَ لفظُ (ربك) بدلًا من لفظ (الله) الذي يتضمن جميعَ صفات الله وجميعَ أسمائه؟! إنه تنبيه إلى أن القراءةَ يجب أن تكونَ باسم (المُرَبِّي) في إطار التربية الإلهية، في إطار ما شرعه _ سبحانه _ للفرد وللمجتمع، فلتستجب استجابةً مطلقةً لله في أمره ونهيه ولتعقد العزمَ على أن تكونَ ربانيًّا.