مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: البضاعة الغائبة!

0:00

!

نعيش الآن شهر رمضان بنفحاته الطيبة وفضله الكبير, وبدأالسباق السنوى نحو إحياء الطاعات, والعبادات, وأعمال الخير بشكل واضح ولافت.
السباق على برامج إفطار صائم, وموائد الخير التى تنتشر فى الأحياء الشعبية وبيوت الله, وإحياء الصلوات, والتهافت على أصحاب الأصوات المميزة, والدعاء الخاشع, وكأنها ملاحقة لنجوم كبار, فتتكدس الشوارع, وتغلق الطرقات.
وهناك الكثير من مظاهر ومشاهد العبادات التى باتت مرتبطة برمضان, هناك مؤشر مثير للاهتمام يلاحظه بعض علماء الاجتماع فى المجتمعات العربية من العالم الاسلامى, وهو الاهتمام الشديد بالعبادات عى حساب السلوكيات, فمع الارتفاع ب”مظاهر” العبادات والترويج الدائم لها, إلا أن مؤشرات معدلات استشراء الفساد والتقاعس عن العمل والعنصرية بلغت معدلات مذهلة, وضعت الكثير من الدول العربية فى العالم الاسلامى فى مقدمة الدول فى قوائم الفساد, وقلة الانتاجية, والتفتت الاجتماعى, مما يوضح الخلل الكبير بين وظيفة الدعوة وربطها تماما بالسلوك والأخلاق.
فلايمكن أن يكون مقبولا حجم التدافع بالشكل الذى نكون عليه فى رمضان, وإغلاق الشوارع دون مراعاة لحقوق المارة ولا السيارات السائرة, كما لايمكن أن يكون مقبولا الصرف المهول على موائد رمضان المنزلية, بحيث تفوق نسبة الصرف الرمضانى أضعاف الشهور الاعتيادية الأخرى, ولا أن يكون الصرف على موائد رمضان على حساب الصرف على وسائل احتياجية وضرورية أخرى مثل العلاج والإيواء, فتصبح بالتالى موائد رمضان هى من باب المباهاه والمفاخرة, والعادة بدلامن تحقيق مسألة التوازن الاجتماعى, وتلبية الاحتياج الحقيقى فيه.
ظاهرة “البيزنس الرمضانى”, أو الاستفادة القصوى من هذا الشهر الفضيل تكون على الأصعدة كافة, سواء الاعلامية فيه كإنتاج الدراما التليفزيونية التى حولت هذا الشهر إلى شهر الذروة فى الانتاج والمشاهدة التليفزيونية, أو فى المجال الاستهلاكى الذى يقدرله التجار ميزانية إعلان وترويج مستقلة تصل إلى أن بعض المنتجات يروج ل80% من ميزانية السلعة خلال شهر رمضان وحده, ولايغفل عن ركوب الموجة الإعلام الدينى ولاالتسويق الدينى, فهما أيضا يقومان بحملات دعائية وترويجية ضخمة واستثنائية للاعلان عما لديهما من جديد خلال الشهر الكريم.
القصور الكبير فى التعامل مع القضايا الأخلاقية والسلوكية كمواجهة الأمية, وتحدى النظافة, والتفرقة العنصرية, واحتقار المرأة, وسوء الانتاجية فى العمل, والفساد المالى يجعل من كل خطابات الترويج للعبادات ناقصا وأقرب لقصص الخيال العلمى, لأنها غير مرتبطة بهدف البعثة النبوية الأساسى, على صاحبها أزكى صلاة وأطهر سلام, وهى تتمة مكارم الأخلاق , وهذا لب الموضوع, وأهم مشكلات الدول العربية فى العالم الاسلامى, فازدراء الخطاب الدينى المتطرف للعلوم غير الشرعية ولد عداوة كبيرة مع العلم كمفهوم تنموى وأخلاقى, وساهم فى الفجوة بين العالم الاسلامى والآخر, وكذلك الأمر بالنسبة لمسألة التعامل مع المخالف سواء من أهل المذهب أو الدين أو الأديان الأخرى, كأن يؤخذ فيها آراء تخالف نهج السنة الفعلية للرسول عليه الصلاة والسلام, فولد شعورا راسخا بالغضب, بسبب قصور فى الفهم والجهل المتفشى فى علوم الدين, مما شجع الهوس بالفتاوى الصغيرة التى لاتقدم فى حياة المرء من شىء وسبب إغفالا تاما للمسائل الأخلاقية الأساسية التى عليها تستقيم المجتمعات, وتبنى القيم والأخلاق والمعانى والفضيلة. خلل فى الأولويات لايمكن إلا أن يولد العلل والآفات.
نعيش رمضان ببضاعة ولكن لاتزال البضاعة الأهم غائبة عن واجهات العرض, وهى مكارم الأخلاق.
شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من بين البشر, ويصطفيه, ويخصه بما لم يخص به أحدا من العالمين, حتى كان صلى الله عليه وسلم قدوة للناس فى كل شىء, قال تعالى:” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(الأحزاب:21), وهذه عدة مواقف من سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم مع الأطفال تبين مدى حبه ورحمته بالأطفال: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام, فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابراهيم فقبله وشمه, ثم دخلنا عليه بعد ذلك, وابراهيم يجود بنفسه, فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: وأنت يارسول الله؟ فقال: ياابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى, فقال صلى الله عليه وسلم إن العين تدمع والقلب يحزن ولانقول إلا مايرضى ربنا وإنا بفراقك ياإبراهيم لمحزونون. وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبى صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال: إن لى عشرة من الولد ماقبلت واحدا منهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنه من لايرحم لايرحم(مسلم).
رغم التطور الذى شهدته صناعة فوانيس رمضان بظهور أجيال جديدة منها كالفوانيس التى تعمل بالبطاريات أو بالشحن الكهربائى, أو تلك التى تحمل الأغانى الخاصة بشهر رمضان, أو المتحركة والراقصة, فإن الفانوس الصاج أو البلدى الذى يضاء بالشموع لايزال مرغوبا لدى فئة ليست قليلة من الزبائن الذين يبحثون عن السعر الزهيد والعمر الطويل, ويتجلى ذلك فى محافظات الصعيد بشكل عام, وبنى سويف بشكل خاص, لاسيما لجودة تصنيعه وطول عمره الافتراضى, إذ يمكن أن يظل يعمل لسنوات بعكس الموديلات الجديدة من الفوانيس العصرية, ففى مدينة بنى سويف يقع حى الديرى وهو أحد الأحياء العريقة بالمدينة, وبداخله يوجد شارع الديرى الشهير ذو المبانى العتيقة, ذلك الشارع القديم الذى تفوح منه روائح تعج بعبق الماضى وسحر التاريخ, وما تدخل الشارع حتى تجد نفسك أمام أقدم ورشة لصناعة”فوانيس الصاج” أو البلدى كما يحلو للبعض أن يسميها أحد معالم المدينة التى حافظت على التراث والعادات القديمة التى توارثتها الأجيال عبر العصور, إنها ورشة الحاج كمال جودة “الفوانسجى” الذى ورث المهنة لأبنائه وأحفاده الذين أكملوا المسيرة وحافظوا على تلك الصناعة من الاندثار, إذ يمتد تاريخ تلك الورشة العتيقة لأكثر من مائة عام, ومع التطور الذى شهدته تلك الصناعة, إلا أنها لم تندثر, ولاتزال مرغوبة لدى فئات كبيرة من الزبائن.

زر الذهاب إلى الأعلى