السيد خلاف يكتب: العقرب والتهجير

الموقف المصري من مخطط التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى سيناء ومن الضفة إلى الأردنكان الأقوى على الإطلاق وشديد التحدي والجاهزية للمواجهة، رغم تماهي مواقف دولية وعربية مع مخطط التهجير .
ولم يكن هذا الموقف عبثيا بل كان مبني على بعد نظر وقراءة للحدث والمشاريع التي يراد فرضها على المنطقة، بفضل قيادة الرئيس السيسي الذي واجه القوى الدولية بكل جسارة واقتدار بموقف مصري شديد الوضوح والصرامة .
كان السيسي فاهما لما هو مراد وأبعاده، معضد بجيش على أعلى جاهزية أفسدت محاولات واشنطن وتل أبيب ومن حالفهم على مدار عام ونصف تقريبا دون أن يدخل في مواجهة مباشرة مع إدارة بايدن ونتنياهو والتي كانت عبارة عن كوكبة من صقور وجنرالات الصهيونية المتطرفة التي تحكم !!
لم يكن السيسي بهذه السذاجة ليسقط في مخطط التوسع لإسرائيل الكبرى التي يريدونها
، بل كان واعيا فاهما ومدركا لأبعاد المراد، وظل كذلك واضعا خطوطه الحمراء أمام قوى متغطرسة تتمتع بكل مقومات السيطرة على العالم، ونجح في تطويع هذه القوى،وقضى على خطة الجنرالات للتهجير، ولم يكن متوقعا أن يطرح ترامب خطة بديلة لتنفيذ التهجير وترسيخ الاحتلال بصورة تانية، لاقت قبولا عند بعض الدول التي تماهت معها دولا أخرى، وثالثة أبدت استعدادها لاستقبال المهجرين قسرا من أرضهم.
غيرت مصر المعادلة إلى خطة بديلة برفض السيسي دعوة ترامب إلى واشنطن، ومناقشة فكرة أو مقترح أو مخطط للتهجير، وقاد الجنرال العقرب معركة التغيير والتحدي وعملت مصر على وضع خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، وبلورة رؤية مقبولة إقليميا ودوليا بعد أن اتخذت مواقف قوية، وقادت جبهة الرفض الدولي لمقترح ترامب ،وأعادت انتشار قواتها على الحدود في حالة التأهل الكبرى غير مكترثة بالموقف الأمريكي و قواتها العسكرية المرابطة في المنطقة ، وهو الأمر الذي أحدث ارتباكا في واشنطن وتل أبيب، وجعل قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي يتحدثون على الملأ وفي كافة المحافل الدولية عن خطر القوات المصرية على دولة إسرائيل، ومحوها حال تغير الموقف المصري واندلاع مواجهة عسكرية بين الجانبين ،خاصة وأن مصر لوحت بالتخلي عن اتفاق السلام بين البلدين .
وطرحت مصر خطة بديلة تقضي على فكرة التهجير وتعمل على إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة لإيواء السكان مؤقتًا، بينما تتولى شركات مصرية ودولية إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، وتشكيل إدارة فلسطينية مستقلة لا تخضع لحركة حماس أو السلطة الفلسطينية، للإشراف على إعادة الإعمار وإدارة شؤون القطاع.
ورفضت مصر مقترح يائير لابيد زعيم المعارضة للاحتلال ، والذي ينص على فرض وصاية مصرية مؤقتة على غزة بين 8 و15 عامًا، تتولى خلالها القاهرة إدارة القطاع، نزع سلاح الفصائل، وإعادة الإعمار بمشاركة دولية، مقابل حوافز اقتصادية أبرزها سداد ديون مصر ،
واقترحت في خطتها البديلة
إنشاء قوة شرطة فلسطينية مكونة بشكل رئيسي منعناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية ممن بقوا في غزة ،ولم يغادروها بعد سيطرة حماس على القطاع عام2007.
وتقترح مصر إعادة إعمار غزة على ثلاث مراحل دون تهجير،
وتمتد لنحو خمس سنوات، دون فرض أي تهجير على الفلسطينيين، وتشمل المرحلة الأولى، التي تستغرق ستة أشهر، نقل السكان إلى المناطق الآمنة، حيث سيتم تجهيزها بمنازل متنقلة وملاجئ، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
وتؤكد مصر أن خطتها لا تقتصر على إعادة إعمار غزة فقط، بل تشمل إطلاق عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 ، وترى أن عدم تحقيق الدولة الفلسطينية سيؤدي إلى جولات صراع مستقبلية، قد تعيد تدمير القطاع حتىبعد إعادة إعماره.
تبلور الموقف العربي في تمسك الدول العربية بالحفاظ على الحق الفلسطيني في أرضهم وترفض أي خطط قد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة ومع ذلك تبقى الأسئلة قائمة حول مدى قدرة مصر والدول العربية على الوصول إلى تسوية ترضي جميع الأطراف، وهل سينجح العرب في تغيير المعادلة، وفرض رؤيتهم والاتجاه إلى تفعيل قوة عربية مشتركة تتصدى إلى منتهكي قدسية أراضيها وإشعال الحروب في بلدانها وإسقاط حكامها ؟! أم أنها ستبقى خانعة ضعيفة مفككة عرضة للتقسيم والاحتلال ونهب ثرواتها ؟! .