د.أمانى فاروق تكتب : الدراما التاريخية.. هل نعيد كتابة التاريخ أم نتركه للنسيان؟

مع كل موسم رمضاني، يتكرر المشهد ذاته: زخم درامي هائل، سباق محموم بين المسلسلات، سيل من الإعلانات، وقصص تتدفق على المشاهدين، بعضها يعلق في الذاكرة، وكثير منها يمر بلا أثر. وبين هذا الكم الهائل من الإنتاجات، يلحّ سؤال: أين الدراما التي تتجاوز حدود الموسم وتظل في وجدان الأجيال؟ أين الأعمال التي لا تبهت بانتهاء العرض؟ وقبل ذلك كله، أين الدراما التاريخية التي كانت يومًا أحد أعمدة الوعي الثقافي والجمعي؟
رمضان أصبح موسمًا لسباق مع الزمن، حيث تُكتب الحوارات على عجل، ويُستكمل التصوير في اللحظات الأخيرة، ويُنجز المونتاج تحت ضغط الوقت. والنتيجة؟ مسلسلات قد تحقق النجاح الجماهيري، لكنها تفتقد العمق الذي يخلّدها. على النقيض، تمتلك دراما المواسم العادية ترف التمهل، مما يسمح بإنتاج أعمال أكثر نضجًا ورؤية. فلماذا لا يُستغل هذا الفارق لصناعة دراما تعيد للذاكرة البصرية العربية قوتها، وتوثّق التاريخ بأداء راقٍ وإنتاج يليق بماضينا العريق؟
لا يزال كثيرون يتذكرون كيف كانت المسلسلات التاريخية تأخذنا إلى عصور لم نعشها، لكنها أصبحت جزءًا من وعينا. كيف تعرّفنا على رموز وأحداث ربما لم نكن لنقرأ عنها في الكتب، لكنها تجسدت أمامنا بحرفية وأداء متقن. واليوم، لم يعد التاريخ جزءًا أساسيًا من درامانا، بينما تتكفّل دول أخرى بإنتاج أعمال توثّق تاريخها، بل وتعيد تشكيله وفق رؤيتها. هل أصبح تاريخنا مجرد مشهد عابر؟ وهل فقدنا الإيمان بأن الدراما ليست فقط وسيلة ترفيه، بل أداة لصناعة الوعي؟
وسط هذا المشهد، جاء إعلان مدينة الإنتاج الإعلامي عن عودتها القوية للإنتاج الدرامي كنبأ يبعث على الأمل. لعقود، كانت هذه المدينة أشبه بمعبد الدراما المصرية، حيث خرجت منها أعمال حفرت أسماءها في الذاكرة الجماعية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا، حتى كادت المدينة تتحول إلى مجرد ذكرى لماضٍ عظيم. واليوم، مع إعلان العودة، تبدو الفرصة سانحة لإحياء هذا الإرث وصناعة مستقبل جديد للدراما التاريخية.
لدينا الإمكانيات، ولدينا القصص، لكن يبقى السؤال: هل لدينا الإرادة الحقيقية لإعادة إنتاج أعمال درامية تليق بمصر وتاريخها؟ هل نشهد قريبًا عملاً بحجم “الرسالة” أو “عمر بن عبد العزيز” أو “بوابة الحلواني”؟ أم أننا سنظل نعيش على ذكريات الماضي، ونكتفي بتذكر أمجاد الدراما بدلًا من صناعتها؟
الفن لا يموت، لكنه قد يغفو طويلًا إذا لم يجد من يوقظه. والدراما ليست مجرد تجارة، بل ذاكرة أمة. اليوم، الكرة في ملعب صُنّاع الدراما، وبين يدي الجمهور، وفي مكاتب المسؤولين عن الإعلام والثقافة. فهل نبدأ رحلة استعادة الدراما التاريخية، أم نترك التاريخ طي النسيان؟
———
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الإعلامى