رأفت السويركي يكتب:”الجمهورية الجديدة” شِعَارُها كذلك “يَدٌ تَبْنِي وَيَدٌ تَحْمِلُ السِّلَاح”

من الأمور الواجب الانتباه لها هو حجم التحديات التي تتربص بالدولة المصرية ونظامها الراهن، على كافة الأصعدة “العسكريتارية” و”الجيوسياسوية” و”الاقتصادوية”. إذ أن إدارة هذه المستويات تكشف مما لا يدع مجالاً للشك بأن مصرنا قوية؛ وتديرها “ماكينة” تُعَبِّر عن الفرادة والتميز؛ وفق مقاييس إدارة منظومات الدول في العصر الراهن.
إن تأمل طبيعة “الحالة المصرية” منذ ما أسميه حدث “فوضى يناير 2011م”؛ والذي كان يستهدف في الأساس إسقاط الدولة المصرية في إطار سيناريو ما يُسمى “الشرق الأوسط الصهيوني الجديد”؛ بقدر ما كان يصيب بالخوف الوقتي والمتلاشي للثقة في وجود المؤسسة العسكريتارية الوطنية العملاقة؛ والتي لم تتوقف عقولها منذ ثورة المجيدة في يوليو 1952م عن إدراك مخاطر استهداف مصر من كل أنماط الاستعمار بصورتيه القديمة والمعاصرة وكذلك المستقبلية.
ولعل حالة الاسترخاء التي تسببت فيما تسمى “نكسة يونيو/ حزيران 1967م”؛ جعلت تلك المؤسسة العسكريتارية الوازنة تدرك أهمية اليقظة المطلقة؛ فارتقى العقل الاستراتيجي لهذه المؤسسة إلى أعلى درجات التألق؛ وفق المقاييس المعتمدة في قياسات قوة الجاهزية للجيوش في العالم وذلك بحرب الاستنزاف ثم في انتصار اكتوبر 1973م؛ ما جعل الجيش المصري يتقدم خطوة خطوة ليتربع في “المركز الرابع عشر” على مستوى العالم حسب أحدث تقرير لـ “غلوبال فاير باور”، والأول عربياً وأفريقياً في “العديد/الجنود” والعتاد/ الطائرات، والدبابات والآليات والسفن والغواصات. فيما الجيش الصهيوني المنافس يأتي في المرتبة العشرين.
والميزة التي تُضيف للجيش المصري سمة “القوة الصُّلْبَة” المحسوبة هي التمكن العسكريتاري؛ والشمول الخاص بالجغرافيا الاستراتيجية لمصر؛ إذ أن عقليته وعيونه واهتماماته، واستعداداته ومرتكزاته /قواعده محكومة بالعبارة التي أطلقها الرئيس عبد السيسي “مَسَافَة السِّكَة”؛ وهي العِبارة الموجزة الدالة على مدى جاهزية هذا الجيش لمواجة كافة التحديات المحيطة بمصر؛ سواء في البحرين الأحمر والمتوسط ونهر النيل، وحدود التماس مع السودان وليبيا وفلسطين المحتلة.
ولعل شمولية النظرة العسكريتارية المتطورة لمؤسسة الجيش المصري، تجعلنا نشيد بالاهتمام الفائق لهذه المؤسسة كذلك فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية؛ باعتبارها جزءاً من “مفهوم الأمن الوطني”؛ وهذا ما لا تدركه أنماط من النخبة التافهة؛ ومنها شريحة العُمَلاء الراغبين في هدم الوطن؛ والتي تحصر مفهوم جهد الجيوش فقط في الحروب؛ متناسية أن الجيوش العالمية تصنع أسلحتها؛ وتنتج طعامها كجزء من أمنها العسكريتاري؛ وتقوم بتوجيه فائض جهودها من السلع لحل بعض المشكلات الداخلية كما يحدث حين الأزمات والكوارث وهي من سمات بنية ونهج جيوش العالم الكبيرة ومنها الجيش المصري.
لذلك فالإشراف على تعبيد الطرق العملاقة، وإقامة الكباري واستزراع الأراضي هو جزء من الأمن الوطني (العسكري والزراعي والصناعي… إلخ)، وليس احتكاراً لأدوار ليست له؛ نتيجة ترهل الكثير من أجهزة الدولة ومشكلاتها البنيوية في “مرحلة العشواءوية” التي سبقت “انتكابة يناير 2011م”. وهذه العمليات لا تتم بوضع اليد كما يُقال؛ وإنما هي محكومة بمنظومة هائلة من برامج التطوير المهاري الفني والتكنولوجي للأفراد، في حقول الدفاع والاستصناع عبر اتفاقات التعاون مع مؤسسات محلية وعالمية وعلمية.
وهذا المرتكز الاستراتيجي المهم يأتي عنصراً راسخاً في توليفة ما اصطُلح على تسميته “القوة الناعمة المصرية”؛ والتي استصنعت صورة عميقة جديدة للدولة؛ تُصيب بالرعب من يمكن أن تزين له رغباته الاقتراب من الأمن الوطني المصري الشامل؛ والتي عبر عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي سابقاً بـاصطلاح “الخط الأحْمَر”؛ الحافظ لكل الحدود الحافة للجغرافيا المصرية.
ولا ينبغي التغافل عن مرتكزات هذه القوة الناعمة في “حقول السياسة الخارجية”، التي جعلت لمصر أوزانا ثقيلة بفعاليتها (المسألة الفلسطينة أنموذجا)؛ وما يرتبط بها في الرفض المطلق لسيناريو تهجير فلسطينيي غزة؛ نتيجة ما أسميه “طوفان الفوضى في السابع من أكتوبر2023م؛ إذ انتكبت غزة بمغامرات ميليشيا (حركة حاء المتأخونة) فقام الصهاينة بتدميرها؛ بالإضافة لجهود تمرير الإعانات لأهلها المنتكبين؛ ومشروع إعادة الإعمار لذلك القطاع؛ ونسف “المشروع الصهيوترامبي” الخاص بالتهجير القصري، وتحويل غزة إلى مشروع منتجعات سياحية تتسلمها الصهيونية.
والأمر ذاته؛ يتمظهر في الجهود المصرية بدعم الجيش الوطني الليبي (منجز إنشاء ستاد بني غازي أنموذجاً)؛ وكذلك جهود استرداد الجيش الوطني السوداني لأمور الهيمنة على أرضه من “ميليشيات الدعم السريع” و”ميليشيا الجنجويد”؛ و”خلخلة الحزام” المحيط بسد الحبشة؛ وبدء مشروعات إنقاذ نهر النيل؛ والتمكن من “تأمين مدخل البحر الأحمر” لحماية الممر الملاحي إلى قناة السويس. وكل هذه الجهود تجري بمنهج “القوة الهادئة” والمرتكزة إلى ميزات الجذب والإقناع والردع المستتر؛ بما تُلَوِّح به من الإِحْجَامِ عن القيام بتوظيف القوة؛ حرصاً على السلام والأمن في المنطقة الملتهبة والمضطربة بفعل فاعل.
ومن دون شك فإن تكلفة هذه الفواتير منطقياً وحسابياً قاسية في صورتها الاقتصادوية؛ على الرغم من دعم بعض الأشقاء الذين يدركون بعمق وحب دلالة لا قدر الله “فقدان مصر لقوتها الردعية” باعتبارها تاريخياً السند ومصدر الأمان لكل شعوب وكيانات المنطقة.
لذلك فإن “مشروع التحديث الشامل” المُسمى: “الجمهورية الجديدة” باهظ التكلفة؛ لكنه واجب الحدوث؛ تطبيقاً للشعار الناصري القديم: “يَدٌ تَبْنِي وَيَدٌ تَحْمِلُ السِّلَاح”. ومن دون شك فإن هذا الشعار يُمثل نهج الدولة المصرية الراهنة لارتباطه بالدفاع عن كل حبة رمال؛ مع التدافع لبناء جمهورية تتواءم ومستجدات العولمة المقبلة (الاقاليم الانتاجية المتخصصة والمدن الجديدة والعاصمة الإدارية أنموذجاً).
إن تطبيق شعار”يَدٌ تَبْنِي وَيَدٌ تَحْمِلُ السِّلَاح” في مرحلته الجديدة يرتكز لاستراتيجية متطلبات “حماية السيادة الوطنية” بمفهموها الشامل والقائم على تحقيق التميز التسليحي وتطويره واستصناعه متواكباً مع استيراده من المراكز المتميزة: روسيا والصين والولايات المتحدة والمانيا وفرنسا و.. وإلخ؛ مع توظيف أنماط التعاون الدولي في التطوير وتبادل الخبرات والإضافات التي يمكن أن يحققها العقل العسكريتاري المصري بتجاربه.
لذلك فإن ذلك الفكر الوطني لا يغيب عنه ردعَاً قدرة امتلاك ميزة تحقيق التوازن العسكري في المنطقة مع الخصوم التقليديين؛ وتعميق بنية القوة لتشمل حماية كافة الحدود الرسمية؛ وهذا ما قاد لامتلاك أسطولين بحريين كبيرين في المتوسط والأحمر بقواعدهما؛ فضلاً عن مواصلة الهيمنة الفضائية بالطائرات ومطاراتها الخاصة وقد حققت هذه القوة سابقاً منجز السادس من أكتوبر 1973م.
إن كل تلك العناصر تجعل التفوق قريناً مُلتصقا بالجيش المصري العملاق والمتميز بفنون الاستراتيجيات والتكتيكات الفعالة حين المواجهات في الميادين؛ وهذا ما يجعل تلك الفنون من “أدوات الردع المُسْبق”.
الصورة الذهنية والواقعية للدولة المصرية؛ تجعلك تشعر بالثقة والاطمئنان لدى عموم الشعب المصري الذي يعشق دولته؛ حتى وإن كانت هناك ضغوط معيشية نتيجة ظاهرة الغلاء التي تعاني منها كل شعوب الأرض؛ لكن المصريين يدركون لماذا يشاهدون التطبيق الحقيقي لشعار “يَدٌ تَبْنِي وَيَدٌ تَحْمِلُ السِّلَاح”؛ ولكن الأغبياء من “المتأخونين” و”المتأدلجين” و”المتنشطين” لا يفهمون معنى خصوصية قوة الدولة المصرية.