مختار محمود يكنب: غَسل سُمعة مُسيلمة الكذاب!

عاش “مُسيلمة الكذاب” مائة وخمسين عامًا، حتى مات فى حرب الرِّدة. عُرف عن “مُسيلمة” إتقان الكذب والتدليس والتلفيق وفنون الدجل الشعوذة. كان بارعًا فى نظم الكلام المسجوع، حتى هيَّأت له نفسه الأمَّارة بالسوء مُعارضة القرآن الكريم، قبل أن يدَّعى النبوة فى خطوة لاحقة، بعد وفاة رسول الإسلام، واتَّبعه نَفرٌ قليلونَ.
مات “مُسيلمة الكذاب” جَسدًا قبل 14 قرنًا، ولكنَّ سيرته فى عداء كل ما يمتُّ إلى الإسلام بِصلة بقيت مُلهمة لأجيال متعاقبة، اتخذت أيضًا من العداء للإسلام سبيلاً مضمونًا للشهرة والاسترزاق والإثراء، فضلاَ عن الاستخفاف والاستظراف الذي يقود صاحبة غالبًا إلى
متلازمة “الاستهبال والاستعباط”!
ظلتْ سيرة “مُسيلمة الكذاب”- بأدق تفاصيلها ولا تزالُ- نبراسًا فى كل زمان، والبرهان الأمين والمرشد المبين إلى خندق الإساءة للإسلام، دينًا ونبيًا وكتابًا مقدسًا وتراثًا، وربما فاق فى عداوته: عبد الله بن أبى بن سلول والوليد بن المغيرة وأبا جهل وأبا لهب.. وساء أولئك رفيقًا.
يظهر ذلك جليًا فى حالة الدفاع المستميت و المستمرة عن سيرة “مُسيلمة الكذاب” تحديدًا، والعمل الدؤوب على غسل سمعته وتطهيرها من كل الدنس الذى تراكم عليها عامًا وراء عام!
لذا.. فإنه لم يعد مُستغربًا أن تجد “مثقفًا ألمعيًا” يُخصص عدة حلقات من برنامجه التليفزيوني المدعوم خارجيًا أو محليًا، للدفاع عن “مسيلمة الكذاب”، وكيف كان صادقًا ورائعًا وماهرًا ومبدعًا. كما إنه لم يعد مدهشًا أن تجد “كاتبًا مغوارًا” وظف سلسلة مقالات للحديث عن مناقب “مُسيلمة الكذاب”، وكيف أنه كان رجلاً إصلاحيًا تقدميًا. ولن يكون مزعجًا إذا ما طرح “مستنير تقدمي” فكرة إنتاج عمل فنى كبير، مسلسلاً كان أو فيلمًا، لتخليد سيرة “مُسيلمة الكذاب”، حتى تقتدي الأجيال الجديدة بسيرته ومسيرته وعقله وعبقريته ونضاله. ولن يكون مُريبًا بأي حال أن يتظاهر كل هؤلاء مُجتمعين في ميدان عام أو في الفضاء الإلكتروني، ومَن على شاكلتهم من أشياعهم وأتباعهم ومُريديهم، ضد إنتاج مسلسل عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد أو أي صحابي جليل من صحابة النبى الكريم وخلفائه الراشدين وأتباعه الصالحين، أو أعمال فنية دينية لإذاعتها فى شهر رمضان، ويصمون كل من يفكر فى الإقدام على هذه الخطوة بالجاهلية والرجعية والتخلف والتطرف وعدم الدراية والمعرفة، حتى تراجعت جميع جهات الإنتاج الحكومية والخاصة عن هذه النوعية من الأعمال الجادة والهادفة، واستبدلتها بأعمال تافهة وهابطة وتخريبية، أبطالها راقصات وبلطجية وحلنجية ونصابون؛ للاحتفاء بهم خلال الشهر الكريم!
كان “مُسيلمة الكذاب” بارعًا فى السَّجع والترادُف والارتجال، ويشبهه فى ذلك مذيعٌ يُجيد الحكي والسرد المدعوم بالمراوغة والمناورة والخداع والتدليس وخلط الحقائق ومتلازمة “اللت والعجن”، وهي البضاعة الرديئة التي بنى من خلاله شهرته، ويطرحها في كل برامجه التليفزيونية، سواء التي يقدمها عبر الفضائيات الأمريكية، أو من خلال الفضائيات المحلية، حيث لا يمر موسم، ولا تمضي مناسبة، دون أن يتصدى للدفاع عن “مُسيلمة الكذاب” والادِّعاء بأنه “ملاك بريء”، في الوقت الذي ينقد فيه أكابر الصحابة، ويزدري فقهاء متقدمين، ويهدم ثوابتَ وقواعدَ دينية راسخة، ويُحلُّ ما حرَّم الله.
ومن شجرة “مُسيلمة الكذاب”..تترى جذور وفروع كل عام، فيخرج مَن يُحرِّف كلام الله عن مواضعه،ويفسره على هواه المريض، ويظهر من يُنسف سنة النبي الكريم نسفًا، ويتسلل من يستهزيء بأئمة الحديث وأعلام المفسرين، ويريد أن يصيغ لنا دينًا جديدًا مثل: “الإسلام الأمريكي” و “الإسلام الكندي” وأشباههما الشائهة والمُشوهة.
وفى كل قُطر من أقطار العرب والمسلمين.. هناك حزبٌ يدافع عن “مُسيلمة الكذاب”، باعتباره النموذج المثالي الذي يجب تعميمه، ومن أسفٍ أن تحظى هذه الأحزاب بموفور الدعم والتمكين المادي والمعنوي، ويتم تصديرها للرأي العام بوصف أفرادها رموزًا للعقلانية والرقي والتحرر، لذا.. فلا تبتئس أبدًا عندما تصادف أحدهم أو بعضهم يمتدح “مسيلمة الكذاب” عقلاً وفكرًا وسلوكًا ونهجًا؛ أو يقترح تصميم تمثال، أو إقامة مُتحف له؛ فالمُسيلمات على أشكالها تقع، وعن أشباهها تدافع، وإلى أمثالها تضَّجع، وجميعهم يأكلون مع الذئاب وينبحون مع الكلاب ويبكون مع الرُعاة!