حازم البهواشي يكتب: (ابن الناظر)!!

في سنواتِ تعليمنا الأولى بالمرحلةِ الابتدائية، يشعرُ التلميذُ بقُوةٍ تَسري في جسده، وزهوٍ يُعلي مِن شأنه، ذلك إن كان أبوه أو أمه من مُدَرِّسي المدرسة، فهو ابنُ الأستاذ أو “الأبلا” والآن هو ابن “المستر أو الميس”!! (وكلمة “أبلا” تَعني “الأختَ الكبرى” في اللغة التركية). إنه حينئذٍ يكون ذا شأنٍ في الفصل، فما بالكم إن كان (ابنَ الناظر)؟!! إن شأنَه يتعدى الفصولَ إلى المدرسة، وربما المُدرسين!!
يَعِي (ابنُ الناظر) _ مما يراه حوله _ أنه صاحبُ نفوذ، فيتحرك ويتحدث بثقةٍ منبعُها نفوذُ أبيه!! ويستمعُ جميعُ زملائِه لكلامه، مُبدين إعجابَهم، ولا يجرؤ أحدٌ على معارضته؛ فنفوذُه أبطلَ ملكاتِ النقدِ عند أقرانِه من التلاميذ، لكنهم في الخفاء _ بينهم وبين بعضهم _ يتحدثون عن عيوبِه، وربما أضافوا إليه من صفات السوء ما ليس فيه!! وإذا امتلك تلميذٌ ثوبًا مُلفتًا أو لُعبةً _ على سبيل المثال _ فإنه يُسارع لـ (ابن الناظر) ليُريَه إياها؛ علَّها تكون سببًا لتقربه منه!! إن نفوذ (ابن الناظر) مُكتسَبٌ وليس شخصيًّا؛ فهو صادرٌ عن اسمه: (فلان ابن الناظر) الذي هو سببُ شهرتِه في المدرسة، والمرءُ يَكتسِبُ نفوذًا من الاسم أو الثراءِ أو الشهرة.
لقبُ (ابن الناظر) هو لقبٌ مُكتسَبٌ إذن، جاءه من النفوذِ المُكتسَب وليس من قيمةٍ ذاتيةٍ يتمتع بها، كما ترانا مثلًا نُمجد أصحابَ المناصب الرفيعة أو الثروة فنطلق على الواحد منهم لقب (باشا) أو (بيه)، وللألقابِ تأثيرٌ في الناس بلا شك، حتى إننا نبالغ فنخرج بعيدًا عن أوطاننا في الألقاب فنطلق على أحدهم لقب (لورد) أو على سيدة لقب (ليدي)، وهي ألقاب بريطانية كما نعلم!! ولا أدري لماذا يشعر تلميذٌ بالنشوة إذا تحدث إليه (ابنُ الناظر) أو سلَّمَ عليه، وربما عاد إلى بيته سعيدًا يُسابق الزمنَ ليحكيَ لأمه وأبيه أن (ابنَ الناظر) تبسَّمَ في وجههِ ضاحكًا، أو دعاه ليُشاركَه طعامًا صنعتْه (مِراة حضرة الناظر)!! والنفوذُ يَحُولُ دُونَ رؤية الأمورِ كما هي على حقيقتها، ويُبطِلُ فينا ملكاتِ التمييز!!
أما صاحبُ النفوذِ الشخصي وليس المُكتسَب أو المصنوع فيختلف كثيرًا عن غيره؛ فنفوذُه يأتي من قدراته ومَلَكاته، حتى إذا اشتُهِر بين الناس بسبب هذه القدرات أصبح ذا كلمة، يَقول فيُنصَتُ له، ويَأمُرُ فيُطاع، ويكون لِـ (طَلَّتِه) تأثيرٌ وسحرٌ يَسري في النفوس، والنفوذُ سببٌ رئيسٌ للإقناع، وتَسري بين الناس عدوى تقليد صاحب النفوذ، فلنتحدث ونلبس ونأكل بطريقة (ابن الناظر)، فترانا نُقلده لا شعوريًّا!!
لكنك ينبغي أن تعلم يا (ابنَ الناظر) أن النجاحَ يصنعُ نفوذًا، وعدمَ النجاح يُنذِرُ بزوال النفوذ، ومَن يَهتف له الناسُ اليوم سَيَسُبُّونه غدًا، وسوف تنتقل إلى المرحلة الإعدادية، ثم الثانوية، ثم الجامعية، ولن ينتقلَ معك أبوك (الناظر)، فإن لم يكن لديك نفوذٌ شخصي نتيجةَ تميُّزك الخُلُقِي والعِلْمِي، ونتيجةَ مَلكاتِك الذاتية فسيزول نفوذُك!!
آهِ يا (ابنَ الناظر) إنْ علمتَ ما تتحملُه من مسؤولية، ولو نظرتَ إلى المصلحةِ العامة لا الخاصة، إذًا لتغيَّرتْ بسببك أوضاعٌ كثيرةٌ في الفصل والمدرسة!!