مقالات الرأى

د. سالي جاد تكتب:الذكاء الاصطناعي والإعلام.. علاقة تكامل أم تهديد للدور البشري؟

0:00

كنت وما زلت على قناعة تامة بأن الإعلام في جوهره ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات، بل هو انعكاس لواقع المجتمع وتحولاته، ومع التطور الهائل الذي نشهده اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح من المستحيل تجاهل التأثير العميق لهذه التكنولوجيا على الصناعة الإعلامية، سواء كان ذلك من حيث المحتوى أو طريقة إنتاجه أو حتى استهلاكه من قبل الجمهور. هذا التحول لم يأتِ بمحض الصدفة، بل هو نتيجة طبيعية لوتيرة التقدم التقني المتسارع الذي أعاد تشكيل المشهد الإعلامي بالكامل.
واللافت للنظر هو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة داخل غرف الأخبار، بل أصبح شريكًا فاعلًا في صناعة المحتوى. اليوم، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات في ثوانٍ معدودة، وإنتاج تقارير صحفية، وتحرير مقاطع فيديو، وحتى كتابة الأخبار تلقائيًا بناءً على المعطيات المتاحة ، هذه القدرات أثارت نقاشًا واسعًا حول مستقبل الصحافة ودور الصحفيين في عصر تتحكم فيه الخوارزميات في تدفق المعلومات. فهل نحن أمام حقبة جديدة يتراجع فيها الدور البشري لصالح الآلة؟ أم أن هذه الأدوات ستكون داعمًا للصحفيين في مهامهم اليومية؟
لقد توقفت طويلًا أمام الفكرة القائلة بأن الذكاء الاصطناعي قادر على استبدال الصحفيين، وأرى أن هذه الرؤية تفتقر إلى البعد الإنساني في فهم طبيعة العمل الإعلامي .. صحيح أن الذكاء الاصطناعي قادر على تجميع البيانات وتقديم تحليلات دقيقة، لكنه يظل عاجزًا عن الإحساس بالسياق الإنساني، أو تقديم رؤية نقدية تعتمد على الخبرة والحدس الصحفي ، خاصة أن الصحفي ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو باحث عن الحقيقة، ومحلل للمواقف، وراوٍ للحكايات بأسلوب يجذب القارئ ، وهو أمر لا يمكن لأي خوارزمية، مهما كانت متطورة، أن تتقنه بنفس المهارة التي يمتلكها الصحفي المحترف.
لذا يمكنني القول إن العلاقة بين الإعلام والذكاء الاصطناعي يجب ألا تكون علاقة صراع أو منافسة، بل تكامل وتعاون. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تسريع العمليات التحريرية، وتحليل البيانات، وكشف الأخبار الكاذبة، وحتى تحسين تفاعل الجمهور مع المحتوى. لكنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون بديلًا عن الحس الصحفي، ولا عن القدرة على صياغة القصص بطريقة تمس وجدان القارئ وتترك أثرًا في وعيه.
وفي تقديري الشخصي فإن التحولات التي نشهدها اليوم تتطلب من المؤسسات الإعلامية إعادة النظر في طريقة عملها، والبحث عن نماذج جديدة تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي دون التفريط في القيم المهنية والأخلاقية للصحافة. لا شك أن المشهد الإعلامي سيستمر في التغير، لكن جوهره سيبقى قائمًا على البحث عن الحقيقة ونقلها للجمهور بمصداقية. الفرق الوحيد أن أدوات هذا العصر لم تعد الورقة والقلم، بل خوارزميات ومعالجات ذكية قادرة على إحداث ثورة في طريقة صناعة الأخبار.
خلاصة القول فإن الإعلام لم يكن يومًا كيانًا ثابتًا، بل هو في حالة تطور دائم يتأثر بالمتغيرات التكنولوجية والاجتماعية. والذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل فرصة لإعادة ابتكار المهنة الإعلامية وجعلها أكثر دقة وفاعلية. فالمستقبل لن يكون لمن يخشى هذه التقنيات، بل لمن يتقن استخدامها بحكمة، ويدمجها مع جوهر الصحافة الحقيقي: المصداقية، الإبداع، والسرد الإنساني العميق.

زر الذهاب إلى الأعلى