محمد محمود عيسى يكتب : العرب والفرصة الأخيرة

لطالما مرت أحداث وأزمات على الأمة العربية كثيرة ومتداخلة ظهر خلالها الكثير والكثير من التراجعات والإخفاقات وعدم تقدير الموقف والتهاون والتراجع في معظمها إن لم يكن كلها وإن كان من أبرزها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وما تبعها من مواقف عنترية حمقاء وقتية لا تقدر المواقف ولا تستشرف المستقبل وغير مبنية على تقديرات سياسية مستقبلية تغلب مصلحة الأوطان وتحافظ على ما تبقى من القضية والأرض وترتب على هذه المواقف الوقتية الغاضبة الهجوم على مصر ومقاطعتها وإتهام الرئيس الراحل البطل محمد أنور السادات بالخيانة والعمالة وتشبيهه من أصحاب القضية الفلسطينية بصفات غير أخلاقية تنم عن نفوس حاقدة كارهة مريضة متكسبة متاجرة بقضيتها غير مكترثة بتطورات المستقبل وما سوف تفقده للأبد من الأرض والسلام والقضية وتم اختزال القضية الفلسطينية في مظلومية جامدة ظاهرها الجهاد والمقاومة وباطنها التكسب والثراء المادي والسياسي والمجتمعي ولا يوجد أقرب من العلامة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية الأخ ياسر عرفات أبوعمار الذي جاهد وقاوم بالقبلات والخطب الجوفاء وضيع الكثير من الفرص السياسية التي كانت من الممكن أن تغير من الواقع السياسي على الأرض والتي ما كانت لتترك النزاع والتفاوض مع الإسرائيليين على هذه المساحات الصغيرة من الأرض وما كان ذلك ليحدث إذا لم تكن القضية الفلسطينية هي أكبر قضية سياسية في العصر الحديث تكسب منها وتاجر بها الجميع من أول أصحابها وقادتها ومنظماتها إلى الجميع حتى تحولت إلى الملف الجاهز لدى قادتها وأصحابها للثراء بجميع أشكاله وتحولت لدى الباقين إلى الملف الذي يمتص صدمات وهبات الشعوب الوطنية والعاطفية والدينية واستمرت القضية الفلسطينية على هذا النحو وكأنها قصيدة حزينة في سوق عكاظ كل يغني منها ما شاء وحسب ليلاه وساهم أصحابها وقادتها في انتكاسات وصدمات سياسية لها أفقدتها الكثير من التعاطف والتأييد وأصابت الداعمين للقضية وللفلسطينيين أنفسهم بالخيبة والخذلان وكان من أبرز هذه المواقف هو تأييد الأخ ياسر عرفات للغزو العراقي للكويت وما ترتب على هذا التأييد من تراجع كبير في الدعم والتأييد الخليجي والعربي للقضية الفلسطينية حتى أصبحت القضية بهذه المواقف القاصرة كأنها كرة لعبة التنس الشهيرة ووصولا إلى الإنقسام الشديد بين منظمة التحرير وحركة حماس والذي كان يعادل الضربة القاضية للقضية ولولا التأييد والمساندة والدعم المصري الكامل إنطلاقا فقط من عروبة وحضارة ومبادئ وقيم وشرف مصر لضاعت القضية الفلسطينية إلى الأبد ولم يتبق منها لا الأرض ولا الحل ولا السلام ولا الشعب ولا القدرة على التفاوض ووصولا إلى طوفان الأقصى وما ترتب عليه من هدم غزة تماما ومحاولات تهجير شعبها واستشهاد الكثير والكثير من الأطفال والنساء والرجال حتى توقفت العمليات العسكرية الإسرائيلية الغاشمة والظالمة ووصلت إلى مرحلة التفاوض وتبادل الأسرى وتدخل الرئيس الأمريكي ترامب وفرض حلولا عقارية وتجارية وسياحية على غزة تقضي بنهايتها وتصفية القضية والتخلص منها ورفعه سقف التفاوض إلى أعلى مدى استغلالا لحالة الضعف والهوان العربية والاستجابة الفورية من العرب لمطالب الولايات المتحدة الأمريكية وطلبات الرئيس الأمريكي ترامب وفي مواجهة هذه الحملة الأمريكية الشرسة والضاغطة قدمت مصر موقفا سياسيا ودبلوماسيا من أقوى مواقفها خلال السنوات الأخيرة وأدارت معركة سياسية ودبلوماسية على أعلى قدر من المهارة والحنكة والخبرة والتواصل مع جميع الأطراف الخارجية الفاعلة يدفعها في ذلك قدرات مصرية شاملة مكنت مصر من فرض قرارها وإرادتها على الجميع وفي لحظات تاريخية فاصلة استطاعت خلالها مصر أن تقفز بمكانتها وقدرتها وتأثيرها قفزات مستقبلية هائلة سينعكس أثرها على نفوذها وتأثيرها وقيادتها للمستقبل العربي وكأن مصر تستشرف المستقبل وقارئة جيدة للخرائط وتوزيع الأدوار فاستطاعت بقوتها الشاملة ونفوذها المؤثر والفاعل أن تحجز مكانة فائقة وقيادية ومؤثرة في هذا المستقبل ستنعكس عليها سياسيا واقتصاديا وبالطبع في كافة المجالات الأخرى ولم تتبق سوى الفرصة الأخيرة للعرب في أن يحجزوا لهم مكانة متميزة ومؤثرة في موائمات وتقسيمات المنطقة العربية خلال السنوات القادمة ولا يتأتى ذلك إلا بتغيير كامل وشامل في ثقافة وفكر العرب السياسي والتاريخي والتخلص من الإرث القديم الزائف المبني على تنازع الزعامة والريادة والمكانة والتأثير والنفوذ والتسليم بقواعد التاريخ والحضارة والجغرافيا وعناصر القوة الشاملة التي تمتلكها مصر وتحويل كل ثقافات الهزيمة والفرقة والمؤامرات إلى ثقافات الوحدة الحقيقية والتعاون المخلص والاصطفاف العربي خلف قيادة واحدة قادرة ومؤثرة وتقود بحكمة ورشد ولا أعتقد أن هذه الفرصة ستعود مرة أخرى كغيرها من الفرص إذا لم يستغلها العرب في توحيد كلمتهم والاعتراف بمستجدات المستقبل والتغييرات الكبيرة التي سوف تحدث