د.أمانى فاروق تكتب: “من قلب مراكش.. مصر تتجلى بصوت كوكب الشرق”
![د.أمانى فاروق](https://misralan.net/wp-content/uploads/2024/05/IMG_4089-780x470.jpeg)
ليس هناك شعور أجمل من أن ترى وطنك حاضرًا في كل مكان، أن تلمس أثره في تفاصيل الحياة، حتى وأنت بعيد عنه ، وهذا ما شعرت به خلال رحلتي القصيرة إلى مراكش بالمملكة المغربية، حين وجدت مصر تنبض هناك، ليس بمعالمها أو لهجتها فقط، بل بصوتها أيضًا.
في تلك المدينة العريقة، حيث تمتزج الألوان بالعطور، وحيث لكل زقاق حكاية، كان هناك شيء مألوف يطاردني في كل زاوية: صوت أم كلثوم. في المقاهي، في المطاعم، في سيارات الأجرة، كانت كلماتها تتردد كأنها جزء من إيقاع الحياة اليومية ، وحين سألنا السائق المغربي الودود عن هذا الولع بكوكب الشرق، ابتسم بفخر وقال: “يومنا لا يبدأ إلا بآيات من القرآن الكريم، ثم نفتح الراديو على أم كلثوم.. هذا طقسنا اليومي، لا نشعر بالصباح دونها.”
كلماته، التي خرجت بعفوية، حملت في طياتها معانٍ أعمق من مجرد إعجاب بصوت فنانة عظيمة. أدركت حينها أن الغزو ليس دائمًا بالسلاح، بل قد يكون باللحن، بالكلمة، بالمشاعر التي تتخطى المسافات بلا حدود ولا جوازات سفر، مصر ليست مجرد وطن، بل قوة ناعمة تسري في عروق العالم العربي، تصل إلى القلوب دون استئذان، فتجد فنها حاضرًا، وموسيقاها تسكن الأرواح، وكلماتها محفورة في الذاكرة الجمعية لشعوب لم تعش على أرضها، لكنها عاشت فيها وجدانيًا عبر الفن والثقافة.
وهذه ليست مصادفة عابرة، فالفن المصري لم يكن مجرد لون موسيقي أو أعمال درامية تُعرض لفترة وتختفي، بل هو تاريخ ممتد، استطاع أن يصبح لغة مشتركة بين الشعوب العربية. منذ أفلام الأبيض والأسود التي شكلت وعي الأجيال، إلى المسلسلات الحديثة التي تناقش قضايا المجتمع، وصولًا إلى الأغنية المصرية التي لا تزال تفرض سحرها رغم تغير الأذواق الموسيقية. ورغم التنوع الموسيقي الكبير الذي تميزت به دول المغرب العربي، حيث التراث الأندلسي والموشحات والموسيقى الأمازيغية، بقيت الأغنية المصرية تجد طريقها بسهولة إلى القلوب.
ولم يتوقف التأثير عند حدود الموسيقى، بل امتد إلى السينما والتلفزيون، حيث تأثرت أجيال كاملة من المخرجين والممثلين المغاربة والتوانسة والجزائريين بالفن المصري، بل وشارك بعضهم في أعمال مصرية بارزة، مما يعكس مدى التجذر الثقافي لمصر في وجدان هذه الدول، حتى اللهجة المصرية أصبحت مألوفة لدى الكثيرين بفضل الأعمال الفنية التي شكلت جزءًا من حياتهم، فكانت الدراما المصرية نافذتهم إلى العادات والتقاليد المصرية، وكان الفن هو الجسر الذي ربط بينهم وبين نهر النيل، رغم بعد المسافات.
ورغم أن الرحلة كانت قصيرة، إلا أن مشاعر المغاربة وحفاوة استقبالهم وكرمهم جعلني أشعر وكأنني بين أهلي ، كان من الجميل أن أرى هذا الحب المتبادل، أن أشعر أن مصر ليست غائبة أبدًا، بل مزروعة في وجدان الأشقاء، يتحدثون لهجتها، يحفظون أغنياتها، ويشعرون بانتماء خاص إليها، كأنها وطنهم الثاني.
لكن رغم كل ذلك، لم يكن هناك ما يضاهي فرحتي حين لامست عجلات الطائرة أرض مطار القاهرة. تلك اللحظة التي تملأك بدفء الوطن، وتجدد داخلك الإحساس بالانتماء، وتذكّرك بأن مهما امتد بك السفر، يبقى للوطن حضوره الذي لا يُضاهى. عدت أكثر فخرًا بمصريتي، وأكثر يقينًا بأن مصر ليست مجرد مكان، بل هوية تُحفر في القلوب، وصوت يبقى خالدًا مهما بعدت المسافات.
مصر لا تغيب عن الذاكرة.. لأنها ببساطة تعيش في الوجدان.
—————
مدير مركز التدريب والتطرير بمدينة الإنتاج الإعلامى