مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: تجربتي في التصوف بكتابي “اللطائف الصوفية من الفرائد السويركية”

من أفضال الله التي تغرقني منذ جئت بإمره الكريم “كن” إلى أن يقضى من العمر ما “يُكِنَّه” لي يأتي مشروعي المعرفوي الثقافوي في أدب التصوف الذي صدر الجزء الأول منه بعنوان” من أدب التصوف الفرائد الصوفية من الفرائد السويركية”؛ الذي يجري طرحه راهناً في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025م بجناح “دار دان للنشر والتوزيع”.

وفي الحقيقة التي أدهشتني وأكشفها هنا للمرة الأولي أن تجربتي في الكتابة بحقل الأدب التصوفي كانت كامنة في خطابي ولم أكن أدرك جذور وجودها؛ إذ تسلل حضورها في ثوب بعض قصائدي العابرة باعتبارها من فيض الخاطر؛ ولم تكن مرتبطة بقصدية أن أكون شاعراً من المتصوفة.

فأنا كما ذكرت في إحدى اللطائف المنشورة في الكتاب: “يقولون كل شيخ وله طريقة؛ فتوزعتْ ريحُهم، وتبددتْ قواهم، في الدوران سعيًا إلى الحقيقة. دع من تَشيَّخُوا وتأمل في قلبك، ستجد النورَ متدفقًا وأنت لم تكن يومًا من أهل طريقة“.

وهذه هي الحقيقة التي أعترف بها انطلاقاً من نهجي بأن:” العرفان طريق معرفة الله، يبدأ بالأنبياء والأصفياء والعُرفاء، فاجتهاد القلب وسلامة نزوعه ليكون مصباحاً؛ لذلك يدرك العارفون رحمته وألطافه وغُفرانه ومكرماته وهُداه“.

وبذلك فخير تعبير عن منهجي الذاتي في اليقين ما ذكرته في الجزء الأول من كتابي: “يسألونني لماذا أدورُ وأدورُ وأدور؟ لأن نورَه المُقيم في قلبي هو كعبةُ عابدٍ متفانٍ في حبك“.

ومن هنا فالنهج التصوفي لدي يُغادر الخطاب الظاهري المُعَمَّم بالمنابر إلى حالة العِلْم بـ: “هو المخفي لعيني وهو الظاهر لقلبي؛ ورؤية القلب أصدق من العين“. لذلك فالاعتراف مهم بأن: “المكاشفة ملاطفة طريقها إخبار العليم لمن يريد أن يتعلم سر الوجد للوصول“.؛ والسؤال كيف؟ فيكون الفيض بلطيفة منطوقها:“العقل هو الطريق للتواصل، والتماهي والتمازج والاتحاد والحلول والانفصال والاتصال والدوران حول فيوض مبدع الوجود“.

إنه قانون الخلق الذي جعلنا بالفطرة مؤمنين؛ وطلب منا الخالق أن نتأمل ونتفكر لنعرف قيمة فيوضه ورحمته بنا؛ ولعل إحدى اللطائف تشير إلى ذلك القانون الإلهي الكريم:”يهب الله العلم لكل مخلوق بمقدار احتماله القدرة على التسبيح؛ فيجاهد لما خلق له. البذرة بالعلم الدفين في فُلقتيها تكون نبتة؛ ثم تصير شجرة؛ فتنجب الثمرة التي تحمل البَذْرة، وفي متنها كذلك يكمن علمُ التسبيح الذي هو علم الحياة؛ لهذا كل موجودٌيُسبِّح بحمده (تسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من شيئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).

إن تجربتي في التصوف كما ذكرت بكل أبعادها الثقافو ـ روحانية لم تكن ولا يمكن أن تنفصل عما أسس له كبار العارفين والسالكين؛ الذين فتحوا لنا أبواب الارتقاء في القول والفعل؛ ومنهم الشيخ الأكبر محيى الدين ابن عربي؛ وأبو منصور الحلاج والسهروردي وجلال الدين الرومي؛ وذو النون والجنيد والبسطامي والقشيري والجيلاني؛ وابن عطاء السكندري والشمس التبريزي وابن الفارض وغيرهم“.

ويكفيني شَرَفَاً ما فاض به شيخي في “لغة الضاد” الأستاذ الدكتور أحمد يوسف علي عالم اللغة العربية الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمؤلفاته العميقة والمتنوعة يمثل مفتتحاً مهماً للسباحة في “عالم اللطائف”؛ بكتابته تزكية ومقدمة مهمة للغاية حول التصوف والمتصوفة وخطابهم العميق ودلالاته؛ والتأسيس لفهومهم؛ وقد أكرمني بتقديم قراءة عَالِم العربية الكبير لفنون وأسرار تلك اللطائف؛ بما تتضمنه من رؤى وكشوف تكمن في كلام الظاهر والباطن والرمز والإشارة.

لذلك ذكر في التصدير: أن:” أدب المتصوفة ألصق بتجربة المتصوف، وأدل عليها. ولذلك كان التعبير الذي ابتدعه المتصوف رأفت السويركي في هذا المقام أدل على لطائفه الصوفية التي تدفقت من نبع الدرر السويركية؛ واللطائف إشراقات تومض وتبرق وتلمع قد تقتنصها اللغة وقد تفرُّ منها. وحين تتلبس باللغة فهي الشعر وهي الجسد الحسيِّ الذي تبلور لعيوننا وبقية حواسنا الأخرى صوراً ورموزاً“.

ويضع شيخي الكريم  وسامه حول اللطائف بعبارته: ” وهي إذ تتبلور لا تفقد طبيعتها الأولى قبل التلبس باللغة؛ فهي ورقاءُ ذات تدلل وَتَمَنُّع لكونها هبطت إلينا من المحلِّ الأرفع. ومن ذلك أنها لطيفة لا تتحدد ولا تتشكل، وحين تتشكل تكون هي والشكل واحداً. فهي غامضة كل الغموض، وواضحة كل الوضوح في الوقت ذاته. فالله سبحانه لطيفٌ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو الظاهر لكل ذي عقل وبصيرة، وهو الباطن المحتجب عن كل الأشكال والأحياز“. لذلك يصفشيخي تجربة الكتابة في التصوف بأنها “إبداع فردي يتَّأتَّى بعد مُجاهدة، وتخلّ، وتحلّ، وصولا إلى التجلِّي. وأن أدب المتصوفة ألصق بتجربة المتصوف وأدل عليها“..

وهنا أقول توصيفاً لنوعية “اللطيفة”: “هي: صَحِيْفَةٌ؛ مَحْفُوْفَةٌ بِالنُّوْرِ؛ وَمَمْهُوْرَةٌ بِمَغْزَلِ صُوْفِ الزُّهْدِ؛ سَعْيُهَا الْفَوْز بِالْوَعْدِ وَالْمَوْعُوْدِ؛ لِأَنَّهَا بِلُغَةِ الْقَلْبِ مَنْثُوْرَة؛ وَبِرُوْحِ الشِّعْرِ مَسْطُوْرَة“.

وقد احتوى الجزء الأول  في 246 صفحة على أكثر من 1000 لطيفة صوفية من الفرائد؛ جامعة في النوعية بين النثرية والشعرية والتي قمت للمرة الأولى بنحت مسمى لها هو “الصوفيدة”؛ وكلها تسعى لكشف رياضة الروح؛ ضمن محاولة السعي في رحاب تلقي العطاء؛ لتستمتع بجمال الفيوض التي تتجسد في كلمات لها وزنها وموسيقاها الشفيفة؛ وهي تدور وتدور وتدور وتتبختر حول بهاء نبع النور؛ الممهور بعلامات الرضاء والسرور؛ تأكيداً لقناعتي العميقة بأهمية علم النور بالقول:” يقولون إن التصوف ليس علماً. لا يفهم الجاهلون معنى علم العلوم“.

زر الذهاب إلى الأعلى