مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: يا بلدنا يا نسَّاية!!

0:00

العنوان من مطلع قصيدة لشاعر العامية “أحمد فؤاد نجم” (1929م _ 2013م) جاءت مقدمةً لمسلسل (فريسكا) أُنتج عام 2004م (تأليف: مجدي صابر _ إخراج: مجدي أحمد علي _ بطولة: آثار الحكيم).

والسؤال الذي أطرحه: لماذا ننسى الجميل؟! بمعنى آخر: لماذا نُنكر المعروف؟! في الحياة التي نعيشها لا يستغني الناس عن بعضهم البعض، فأنت تحتاج للناس، وهم يحتاجون إليك، ولا يستطيع الإنسانُ أن يعيشَ وحيدًا، حتى إن المبدع الشعبي قال في المَثل: (جَنَّة مِن غِير ناس، ما تِنداس)!! والأصمعيُّ الفقيهُ اللغويُّ (123هـ _ 216هـ)قال: (سمعتُ أعرابيًّا يقول: أسرعُ الذنوبِ عقوبةً كُفرُ المعروف).

ولا ينسى المعروفَ إلا المتكبرُ أو اللئيمُ أو ذلك الذي يشعر أن ذِكْرَه لما بُذِل إليه يُنقِص من قدره، فهو الكامل الذي لا يحتاج إلى أحد، والجميع إليه يحتاجون!! لذلك قالوا: (صانعُ المعروف كريم، وناكرُ المعروف لئيم)، واللئيمُ هذا لا يَزيده الإحسانُ والمعروفُ إلا تمردًا، لذلك قال الشاعر: إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ مَلَكْتَه // وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرَّدًا.

وفي الحديث الشريف (مَن لم يَشْكُرِ النَّاسَ لم يَشكرِ اللَّهَ)، وهذا يعني أن مِن لوازمِ شُكْرِ الله، أنْ يشكرَ المرءُ غيرَه إذا أَسْدَى إليه معروفًا قَلَّ أو كثُر، فاللهُ لا يقبل شُكرًا مِن عَبْدِه إذا كان العبدُ مِمن يَنسى المعروفَ الذي قدَّمه إليه أحدٌ من الناس.

المُنعِمُ الحقيقيُّ هو الله، وشُكرُك العبدَ لكونِه أحسن إليك إنما يكون لأن الله _ عز وجل _ أمرَ بذلك، لا لأن العبدَ هو مَن فعل ذلك!! يقول نبي الأخلاق: “مَن أُعْطِىَ عطاءً فوجَدَ (أي: فوَجَدَ ما يُكافِئُ بهِ مَن أعْطاه) فليَجْزِ به، فإن لم يَجدْ فليُثْنِ به، فمن أَثْنى به فقد شَكَرَه، ومَن كَتَمَه فقد كَفَرَه). إنه يعلم أصحابَه مكارمَ الأخلاق ومنها الشكرُ والثناءُ على مَن صنعَ لهم معروفًا، وذلك مما يُحبب الناسَ في صنائع المعروف التي تقي مصارعَ السوء.

قال صاحبي: قدمتُ معروفًا كبيرًا لأحدهم وكان في مقتبل حياته، فلما فتحَ اللهُ عليه مِن واسعِ فضلِه، كان يراني وهو يقود سيارته فيتجاهلني!! قلتُ له: لعل اللهَ أراد أن يكون ثوابُك غيرَ منقوص، فتعوَّدْ ألا تتذكرَ المعروفَ حتى يكونَ خالصًا لوجه الله، ولكن على مَن أُسدِيَ إليه المعروفُ ألا ينساه وألا يَعَضَّ يدًا امتدتْ إليه!! فلا يُزهدنك في المعروف كُفرُ مَن كَفَرَه، فإنّه يَشْكُرك عليه مَن لا تصنعُه إليه، فالخير لا يضيع، وسيمتد أثرُه إلى أبنائك وأحفادك.

قال آخر: لستُ أرى لبلدي فضلٌ عليَّ يستحق الشكر!! قلتُ: ألا يستحق الأمنُ والأمانُ الشكر؟! ألا يستحق الاقتداءُ بالأنبياء في حُب وطنهم _ رغم ما تعرضوا له _ الشكر؟! وماذا لو تشتت الأمة وضعُف الانتماء؟!

لكنه ينبغي أن نقدم رسالةً أيضًا لكل مسؤول: فكِّرْ في التخفيف والتيسير على الناس لا في تكديرهم وتنغيص حياتهم، فإن هذا مما يُحبب إليهم الأوطان، فإذا نسي الوطنُ ما قدمه أبناؤه _ بفعل مسؤولين لا ينظرون إلا لمصلحتهم الشخصية _ سيكفُر الأبناءُ بهذا الوطن، وإن وجدوا المسؤولَ يخاف عليهم ويعمل جاهدًا على تخفيف العناء عنهم، سيتحملون الصعوبات بكل رضا.

يا بلدنا يا نسَّاية: لا تجحدي فضلَ أبنائك بفعل مسؤولين غير مسؤولين!!

زر الذهاب إلى الأعلى