مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : هل أنت مريض ؟

اعتدنا دائما عند مقابلة بعضنا البعض،أو عند بداية محادثة عبر الهاتف أن يطمئن كلُ طرف على الآخر ، ويبدأ بالدعاء بالسلامة والعافية إذا مرّ أحدٌ منا بأزمة ، سواء كانت مادية أو اجتماعية أو صحية ، وفور الاطمئنان على مرور الأزمة يهجر كل مننا السؤال والتفقد عن عزيزه .

الغريب في هذا الأمر هو إهمالنا البيّن لنوع خطير من الأزمات والشدائد التي زادت في هذا العصر ، وهي الأزمات النفسية ، تلك الأزمات التي تستلزم أكثر من غيرها السؤال والاهتمام والمتابعة ، لأنها لا تتكشف إلا بالسؤال ، ومجرد السؤال عنها ونبشها ينطوي على نصف مشوار العلاج من تبعاتها .

كل منا يحمل في نفسه ما يحمل ، أو كما قال أحدهم : كلنا أمراض نفسية تسير على قدمين . وبغض النظر عن سبب الأزمة النفسية ،سواٌء كان العجز عن حل مشكلة ما ، أو خسارة علاقة أو ضغوط لم يتحملها الشخص ، تظل المجتمعات الشرقية لا تعترف بوجود المرض النفسي ومدى تأثيره البعيد على صحة الإنسان العضوية .

وهنا يحضرني إحدى اللقاءات للجراح العالمي وطبيب القلوب الدكتور مجدي يعقوب عندما أجاب على سؤال عن أشد المؤثرات السلبية إضرارًا بالقلب؟ ، فقال: الحزن الشديد ، الحزن يُقطِع نياط القلب ويضعفه . ولعل قولنا الدارج في مصر بأن ( فلان وجع قلبي ) شديدة المصداقية عندئذ .

ولا ننسى هنا ألم المعدة الذي يصيب البعض فور تعرضه للضغط والتوتر من موقف أو شخص ما ، أو إطالة النوم والإحساس بالنعاس إذا ما واجهتنا مشكلة أكبر من إمكانياتنا على إيجاد حل لها ، وكأن المرض النفسي أو لنقل الأزمة النفسية لهي أشد وطأة ونفوذا على الجسد من الأزمات والأمراض العضوية .

لذا الهدف من المقال هنا التنبيه إلى أهمية اللطف في التعامل مع من حولنا ، وتفقد أحوالهم بين الحين والآخر ، لعله يعاني ويتألم وظاهره لا يكشف ذلك ، واعتقد وأنت تقرأ هذا الأسطر الآن قد خطر في بالك أحدهم أو أكثر، ممن كنت تظن أنهم في أحسن حال ويتنعمون في حياتهم ، لكن انتهت رحلتهم في الدنيا إما بالانتحار أو محاولة الانتحار ،أو بالسجن لايذائهم شخص ما ، أو فقدان عقلهم وتحولهم لنزلاء في السرايا الصفرا.

عفا الله عن الجميع وحفظهم ، لذا الواجب علينا هو التحلي بالمزيد من الاهتمام ومراعاة ظروف بعضنا البعض ، ولا نحرم أنفسنَا رحمة الله ، بترك التراحم فيما بيننا ، فإذا رأيت مهمومًا، خَفِف عنه إما بالسؤال أو التسلية، وإذا ما غاب أحدهم لا تلمه على الغياب ، بل اطمئن عليه وعلى حاله لعل في النفس ما يغيب عن العين .

زر الذهاب إلى الأعلى